نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة (الحلقة 7)
وقالت نادية الجندي عندما رأته مرة: الأستاذ لطيف قوي!
كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1994:
عندما أسدل الستار على المشهد الأخير من مسرحية «727» فإنه لم يكن من السهل الاستمرار في الحديث مع النجم الكبير محمود عبد العزيز في غرفته التي كانت قد امتلأت بالزائرين المهنئين، والمرحبين بعودته إلى المسرح من جديد!
وابتسم محمود عبد العزيز ونحن بين حشود المهنئين والزائرين، وقال لي ما فيش طريقة يا عم بديع، إلا أن تكمل أنت حكايتي مع التمثيل والفن، وتفاصيلها كلها في أوراقك.
ولم يكن أمامي إلا الموافقة..
واعتبرت أن مسلسل «الدوامة» هو شهادة ميلاد محمود عبد العزيز.. الفني!
إن الممثل الجديد الطموح القادم إلى الحياة الفنية من كلية الزراعة، بات يتابع عم إبراهيم حسنين، الذي كان يطبع على الآلة الكاتبة مسلسل «الدوامة» ويقرأها كلمة كلمة كلما انتهت واحدة منها، وفي هذه الأثناء كان المخرج محمد فاضل يبعث بالهمسات إلى محمود عبد العزيز قائلاً له: بكره، نور الدمرداش بيسحب الدور منك زي ما عمل مع الكل..
وكان في المسلسل ثلاثة أدوار رجالية بارزة، هي دور «محمود» الذي أسند إلى النجم محمود ياسين، دور «كامل» الذي أسند إلى الممثل يوسف فخر الدين..
وبقي الدور الثالث، دور الصحفي إبراهيم!
وكان نور الدمرداش قد رشح قبلاً الممثل الأسمر أحمد زكي لتمثيل هذا الدور، غير أنه حدث عندما كان أحمد زكي يمثل دوره في فيلم «الكرنك» أن خبط بعنف على الطاولة في أحد المشاهد، فجرحت يده، واضطر إلى التوقف عن أي عمل إلى أن يتم علاجها!
وهكذا تطلع نور الدمرداش إلى محمود عبد العزيز لتمثيل دور الصحفي إبراهيم في مسلسل «الدوامة» بدلاً من أحمد زكي!
ومرة فوجئ محمود عبد العزيز بسؤال أقلقه من نور الدمرداش..
المخرج الكبير يسأله: إيه رأيك يا محمود تمثل دور «كامل» الذي كان سيمثله يوسف فخر الدين؟
وصرخ محمود: في عرضك يا أستاذ نور، أنا عاوز أمثل دور الصحفي إبراهيم، أنا حبيت الدور ده!
وسأله المخرج بدهشة: حبيته إزاي وأنت ما تعرفش عنه حاجة!
فأجابه: لا، أنا قرأته كلمة كلمة وهوه ينطبع على الماكينة..
وضحك نور الدمرداش، ولكن قلب محمود عبد العزيز لم يكن قد اطمأن بعد، وكانت لا تزال تتردد في سمعه الهمسات التي أرسلها إليه المخرج محمد فاضل بأن نور الدمرداش يسند الدور إلى الممثل ثم يسحبه منه!
وبات محمود عبد العزيز يلازم مكتب نور الدمرداش في التلفزيون خشية أن يغيب عنه، وتحدث أية تطورات تجعل الدور الذي يعلق عليه كل آماله الفنية يفلت منه!
ومرة، دخلت إلى المكتب النجمة الممثلة نادية الجندي، التي ستكون من نجمات المسلسل مع النجمة نيللي، والممثلة هياتم!
ورحب نور الدمرداش بالنجمة اللامعة وقال لها وهو يشير إلى محمود عبد العزيز:
الأستاذ محمود عبد العزيز ممثل جديد، وهو الذي سيمثل دور الصحفي إبراهيم فهل عندك أي اعتراض عليه؟
وتأملت نادية الجندي محمود عبد العزيز ملياً، ثم قالت: أبداً.. الأستاذ لطيف قوي..
وعندما بدأ محمود عبد العزيز يمثل في «الدوامة» حاول بقدر ما يستطيع أن يتقرب من النجوم الكبار الذين يعمل معهم، وقد نجح في ذلك، ودعته نادية الجندي ذات يوم إلى سهرة أقامتها في منزلها..
وكانت هذه أول مرة يرى فيها محمود عبد العزيز واحدة من سهرات المجتمع الفني الذي أصبح الآن من نجومه!
وبدأت مسيرة محمود عبد العزيز الفنية!
والنجم الشاب لا يعرف حتى الآن سر إحساسه العميق بأن المنتج رمسيس نجيب، صانع أنجح الأفلام العربية في ذلك الحين، سوف يطلبه إليه بمجرد أن يراه وهو يمثل دور الصحفي على الشاشة الصغيرة!
والمهم..
بدأ عرض مسلسل «الدوامة» في أول شهر رمضان من عام 1973..
ولكن حرب السادس من أكتوبر «تشرين أول» اندلعت، فتوقف عرض المسلسل، ثم أعيد العرض من جديد بعد سنة!
وكان المسلسل أشبه بقنبلة انفجرت في الشارع التلفزيوني..
إن الملايين كانت تتابع حلقاته بشغف..
والشوارع في المدن المصرية كانت تخلو من المارة في الساعة التي تعرض فيها حلقة منه!
ولمع محمود عبد العزيز كممثل!
وسألته: وهل أحسست يومئذ بأنك قد وصلت إلى... النجومية؟
فأجاب: يومها بدأت أحلامي تكبر، وصرت أطمح إلى أن يكون عندي سيارة، وشقة، وأن يطلبني رمسيس نجيب، الذي لم أكن أعرفه أو يعرفني، ليسند إليَّ دور البطولة في أحد أفلامه!
وأعود إلى أوراقي القديمة من جديد، وآخذ منها أكثر من حوار جرى بيني وبين محمود عبد العزيز، في مناسبات عديدة وعن هذه المرحلة التي يمكن وصفها بأنها رحلة ولادة نجوميته!
وسألته يوماً: ما الذي حدث بعد أن عرفك جمهور التلفزيون ممثلاً جيداً، من خلال دور الصحفي الذي مثلته في مسلسل «الدوامة»؟
أجاب: إنني صدمت لأن المنتج رمسيس نجيب، الذي توقعت أن يسارع إلى الاتصال بي بعد أن يراني في مسلسل «الدوامة» لم يسأل عني أبداً وخيبة أملي في أن أصل فوراً إلى الشاشة السينمائية جعلتني أوافق على أعمال تلفزيونية عادية عرضت علي مثل مسلسل «بدر البدور» من إخراج فؤاد الجزائرلي، و«من الجاني» مع المخرج كمال الشامي، الذي كان يلح عليّ في أن أسرع بتمثيل حلقات المسلسل، لأنه كان مشغولاً جداً في الأيام القادمة.
كان ذلك في عام 1975 أي بعد مرور سنة كاملة على العرض الثاني والكامل لحلقات مسلسل «الدوامة» على شاشة تلفزيون مصر!
وذات ليلة كان محمود عبد العزيز يشكو من التهاب في اللوز، وحرارته وصلت إلى التسع والثلاثين، عندما أخذ يسلي نفسه وهو في سريره ليلاً بمذاكرة دوره في حلقة من المسلسل التلفزيوني «من الجاني» كان سيمثلها مع زميليه مجدي وهبة، وعبد الرحيم الزرقاني..
وحانت من محمود التفاتة نحو باب الشقة الخارجي فوجد أن ورقة قد وصلت حالاً، ووضعت تحت الباب، ومن بعيد عرف أنها «أوردر» من النوع الذي اعتاد أن يتلقاه من إدارات الإنتاج في المسلسلات والأفلام، وهي تحدد له موعد عمله، والملابس التي يجب أن تكون معه للتصوير.
وقام محمود عبد العزيز من سريره، وأخذ الورقة بين يديه الاثنتين، فإذا هي نفسها الدعوة التي كان ينتظرها منذ سنة.
باختصار كانت الكلمات المكتوبة في الورقة: «نرجو حضوركم في الساعة التاسعة صباحاً إلى مكتب الأستاذ رمسيس نجيب لمقابلته، وشكراً»!
ووصف لي ما حدث في ذلك اليوم التاريخي بالنسبة إليه، فقال: لم أنم الليل كله، كنت في غاية القلق والفرح في نفس الوقت، ومن الساعة السابعة صباحاً بدأت أعد نفسي للخروج، وتغلبت على الحرارة المرتفعة عندي، وارتديت أوجه ما عندي من ملابس، وكنت على مقربة من مكتب رمسيس نجيب قبل الموعد المحدد في «الأوردر» بنصف ساعة، ولكني لم أدخله إلا في التاسعة تماماً، ووجدت رمسيس نجيب يرتدي بذلة سبور بنصف أكمام، ويضع يده في جيبه، وكعادته مد يده وصحافني من غير أن يبتسم وقال لي: أهلاً وسهلاً.. تفضل!
ولم أتركه يبدأ الكلام، بل بدأته أنا وقلت له!
معلهش يا أستاذ رمسيس، عندي سؤال أود أن أسمع جواباً منك عليك، وهو: لماذا لم ترسل في طلبي إلا بعد سنة كاملة من عرض مسلسل «الدوامة»!
سألني باستغراب: ماذا تقصد؟
فأجبت بسرعة: لا، ولا حاجة، وأنا سعيد دداً بوجودي في مكتبك، ولكن، كنت بيني وبين نفسي أتوقع أن تتم دعوتك لي منذ سنة.
وهنا ابتسم رمسيس وأجاب: الحقيقة أنني كنت كثير السفر في السنة الماضية، وعندما عدت مؤخراً إلى القاهرة سمعت كلاماً كثيراً عنك، وعن الدور الذي مثلته في مسلسل «الدوامة»، فذهبت إلى التلفزيون، وشاهدت عرضاً خاصاً لحلقات المسلسل الثلاث عشرة، وكونت فكرة كاملة عنك!
قال هذا، ثم ناولني سيناريو كاملاً وعلى غلافه اسم «حتى آخر العمر» ثم أضاف يقول: يا ترى، هل ستستطيع تمثيل دور البطولة في هذا الفيلم، إنه معك الآن، وهو من غير حوار، فقط تأخذه، وتقرأه، وتشوف نفسك، ولو قدرت تمثله فأنا متأكد أن ظهورك على الشاشة سيكون السبب في أن عدة نجوم سينما من المشهورين الآن سوف يقعدون في بيروتهم بلا عمل.
ولم يتركني أتكلم، بل قال لي: شوف يا محمود، ما دمت قد زرتني في المكتب! فإن خبر هذه الزيارة سوف ينتشر في الوسط السينمائي كله، وبالتأكيد، عندما تذهب الآن غلى البيت سوف تجد ثلاثين طلباً لك من المنتجين السينمائيين، وأنا أريد منك أن لا تقبل الآن العمل مع أي منهم!
وفعلاً، عندما ذهبت إلى البيت فوجئت باتصالات عديدة من مخرجين ومنتجين، وأحدهم كمال صلاح الدين جاء إليَّ ومعه سيناريو فيلم «بنات حتتنا» وعقد لتمثيل دور البطولة في هذا الفيلم، ومبلغ أربعمائة جنيه كدفعة أولى!
والمبلغ يومها كان مغرياً لي، خصوصاً وأنه دفعة أولى، ومن يدري ماذا ستكون الدفعات التالية، ولكنني مع ذلك تذكرت نصيحة رمسيس نجيب، فأخذت من كمال صلاح الدين العقد موقعاً منه، ومعه الفلوس أيضاً، وقلت له: شوف يا أستاذ كمال، أنا سأعرض الموضوع على رمسيس نجيب، فإذا وافق كان به، وإلا، فأنا سأعيد إليك فلوسك ونعتبر الموضوع منتهياً.
كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1994:
عندما أسدل الستار على المشهد الأخير من مسرحية «727» فإنه لم يكن من السهل الاستمرار في الحديث مع النجم الكبير محمود عبد العزيز في غرفته التي كانت قد امتلأت بالزائرين المهنئين، والمرحبين بعودته إلى المسرح من جديد!
وابتسم محمود عبد العزيز ونحن بين حشود المهنئين والزائرين، وقال لي ما فيش طريقة يا عم بديع، إلا أن تكمل أنت حكايتي مع التمثيل والفن، وتفاصيلها كلها في أوراقك.
ولم يكن أمامي إلا الموافقة..
واعتبرت أن مسلسل «الدوامة» هو شهادة ميلاد محمود عبد العزيز.. الفني!
إن الممثل الجديد الطموح القادم إلى الحياة الفنية من كلية الزراعة، بات يتابع عم إبراهيم حسنين، الذي كان يطبع على الآلة الكاتبة مسلسل «الدوامة» ويقرأها كلمة كلمة كلما انتهت واحدة منها، وفي هذه الأثناء كان المخرج محمد فاضل يبعث بالهمسات إلى محمود عبد العزيز قائلاً له: بكره، نور الدمرداش بيسحب الدور منك زي ما عمل مع الكل..
وكان في المسلسل ثلاثة أدوار رجالية بارزة، هي دور «محمود» الذي أسند إلى النجم محمود ياسين، دور «كامل» الذي أسند إلى الممثل يوسف فخر الدين..
وبقي الدور الثالث، دور الصحفي إبراهيم!
وكان نور الدمرداش قد رشح قبلاً الممثل الأسمر أحمد زكي لتمثيل هذا الدور، غير أنه حدث عندما كان أحمد زكي يمثل دوره في فيلم «الكرنك» أن خبط بعنف على الطاولة في أحد المشاهد، فجرحت يده، واضطر إلى التوقف عن أي عمل إلى أن يتم علاجها!
وهكذا تطلع نور الدمرداش إلى محمود عبد العزيز لتمثيل دور الصحفي إبراهيم في مسلسل «الدوامة» بدلاً من أحمد زكي!
ومرة فوجئ محمود عبد العزيز بسؤال أقلقه من نور الدمرداش..
المخرج الكبير يسأله: إيه رأيك يا محمود تمثل دور «كامل» الذي كان سيمثله يوسف فخر الدين؟
وصرخ محمود: في عرضك يا أستاذ نور، أنا عاوز أمثل دور الصحفي إبراهيم، أنا حبيت الدور ده!
وسأله المخرج بدهشة: حبيته إزاي وأنت ما تعرفش عنه حاجة!
فأجابه: لا، أنا قرأته كلمة كلمة وهوه ينطبع على الماكينة..
وضحك نور الدمرداش، ولكن قلب محمود عبد العزيز لم يكن قد اطمأن بعد، وكانت لا تزال تتردد في سمعه الهمسات التي أرسلها إليه المخرج محمد فاضل بأن نور الدمرداش يسند الدور إلى الممثل ثم يسحبه منه!
وبات محمود عبد العزيز يلازم مكتب نور الدمرداش في التلفزيون خشية أن يغيب عنه، وتحدث أية تطورات تجعل الدور الذي يعلق عليه كل آماله الفنية يفلت منه!
ومرة، دخلت إلى المكتب النجمة الممثلة نادية الجندي، التي ستكون من نجمات المسلسل مع النجمة نيللي، والممثلة هياتم!
ورحب نور الدمرداش بالنجمة اللامعة وقال لها وهو يشير إلى محمود عبد العزيز:
الأستاذ محمود عبد العزيز ممثل جديد، وهو الذي سيمثل دور الصحفي إبراهيم فهل عندك أي اعتراض عليه؟
وتأملت نادية الجندي محمود عبد العزيز ملياً، ثم قالت: أبداً.. الأستاذ لطيف قوي..
وعندما بدأ محمود عبد العزيز يمثل في «الدوامة» حاول بقدر ما يستطيع أن يتقرب من النجوم الكبار الذين يعمل معهم، وقد نجح في ذلك، ودعته نادية الجندي ذات يوم إلى سهرة أقامتها في منزلها..
وكانت هذه أول مرة يرى فيها محمود عبد العزيز واحدة من سهرات المجتمع الفني الذي أصبح الآن من نجومه!
وبدأت مسيرة محمود عبد العزيز الفنية!
والنجم الشاب لا يعرف حتى الآن سر إحساسه العميق بأن المنتج رمسيس نجيب، صانع أنجح الأفلام العربية في ذلك الحين، سوف يطلبه إليه بمجرد أن يراه وهو يمثل دور الصحفي على الشاشة الصغيرة!
والمهم..
بدأ عرض مسلسل «الدوامة» في أول شهر رمضان من عام 1973..
ولكن حرب السادس من أكتوبر «تشرين أول» اندلعت، فتوقف عرض المسلسل، ثم أعيد العرض من جديد بعد سنة!
وكان المسلسل أشبه بقنبلة انفجرت في الشارع التلفزيوني..
إن الملايين كانت تتابع حلقاته بشغف..
والشوارع في المدن المصرية كانت تخلو من المارة في الساعة التي تعرض فيها حلقة منه!
ولمع محمود عبد العزيز كممثل!
وسألته: وهل أحسست يومئذ بأنك قد وصلت إلى... النجومية؟
فأجاب: يومها بدأت أحلامي تكبر، وصرت أطمح إلى أن يكون عندي سيارة، وشقة، وأن يطلبني رمسيس نجيب، الذي لم أكن أعرفه أو يعرفني، ليسند إليَّ دور البطولة في أحد أفلامه!
وأعود إلى أوراقي القديمة من جديد، وآخذ منها أكثر من حوار جرى بيني وبين محمود عبد العزيز، في مناسبات عديدة وعن هذه المرحلة التي يمكن وصفها بأنها رحلة ولادة نجوميته!
وسألته يوماً: ما الذي حدث بعد أن عرفك جمهور التلفزيون ممثلاً جيداً، من خلال دور الصحفي الذي مثلته في مسلسل «الدوامة»؟
أجاب: إنني صدمت لأن المنتج رمسيس نجيب، الذي توقعت أن يسارع إلى الاتصال بي بعد أن يراني في مسلسل «الدوامة» لم يسأل عني أبداً وخيبة أملي في أن أصل فوراً إلى الشاشة السينمائية جعلتني أوافق على أعمال تلفزيونية عادية عرضت علي مثل مسلسل «بدر البدور» من إخراج فؤاد الجزائرلي، و«من الجاني» مع المخرج كمال الشامي، الذي كان يلح عليّ في أن أسرع بتمثيل حلقات المسلسل، لأنه كان مشغولاً جداً في الأيام القادمة.
كان ذلك في عام 1975 أي بعد مرور سنة كاملة على العرض الثاني والكامل لحلقات مسلسل «الدوامة» على شاشة تلفزيون مصر!
وذات ليلة كان محمود عبد العزيز يشكو من التهاب في اللوز، وحرارته وصلت إلى التسع والثلاثين، عندما أخذ يسلي نفسه وهو في سريره ليلاً بمذاكرة دوره في حلقة من المسلسل التلفزيوني «من الجاني» كان سيمثلها مع زميليه مجدي وهبة، وعبد الرحيم الزرقاني..
وحانت من محمود التفاتة نحو باب الشقة الخارجي فوجد أن ورقة قد وصلت حالاً، ووضعت تحت الباب، ومن بعيد عرف أنها «أوردر» من النوع الذي اعتاد أن يتلقاه من إدارات الإنتاج في المسلسلات والأفلام، وهي تحدد له موعد عمله، والملابس التي يجب أن تكون معه للتصوير.
وقام محمود عبد العزيز من سريره، وأخذ الورقة بين يديه الاثنتين، فإذا هي نفسها الدعوة التي كان ينتظرها منذ سنة.
باختصار كانت الكلمات المكتوبة في الورقة: «نرجو حضوركم في الساعة التاسعة صباحاً إلى مكتب الأستاذ رمسيس نجيب لمقابلته، وشكراً»!
ووصف لي ما حدث في ذلك اليوم التاريخي بالنسبة إليه، فقال: لم أنم الليل كله، كنت في غاية القلق والفرح في نفس الوقت، ومن الساعة السابعة صباحاً بدأت أعد نفسي للخروج، وتغلبت على الحرارة المرتفعة عندي، وارتديت أوجه ما عندي من ملابس، وكنت على مقربة من مكتب رمسيس نجيب قبل الموعد المحدد في «الأوردر» بنصف ساعة، ولكني لم أدخله إلا في التاسعة تماماً، ووجدت رمسيس نجيب يرتدي بذلة سبور بنصف أكمام، ويضع يده في جيبه، وكعادته مد يده وصحافني من غير أن يبتسم وقال لي: أهلاً وسهلاً.. تفضل!
ولم أتركه يبدأ الكلام، بل بدأته أنا وقلت له!
معلهش يا أستاذ رمسيس، عندي سؤال أود أن أسمع جواباً منك عليك، وهو: لماذا لم ترسل في طلبي إلا بعد سنة كاملة من عرض مسلسل «الدوامة»!
سألني باستغراب: ماذا تقصد؟
فأجبت بسرعة: لا، ولا حاجة، وأنا سعيد دداً بوجودي في مكتبك، ولكن، كنت بيني وبين نفسي أتوقع أن تتم دعوتك لي منذ سنة.
وهنا ابتسم رمسيس وأجاب: الحقيقة أنني كنت كثير السفر في السنة الماضية، وعندما عدت مؤخراً إلى القاهرة سمعت كلاماً كثيراً عنك، وعن الدور الذي مثلته في مسلسل «الدوامة»، فذهبت إلى التلفزيون، وشاهدت عرضاً خاصاً لحلقات المسلسل الثلاث عشرة، وكونت فكرة كاملة عنك!
قال هذا، ثم ناولني سيناريو كاملاً وعلى غلافه اسم «حتى آخر العمر» ثم أضاف يقول: يا ترى، هل ستستطيع تمثيل دور البطولة في هذا الفيلم، إنه معك الآن، وهو من غير حوار، فقط تأخذه، وتقرأه، وتشوف نفسك، ولو قدرت تمثله فأنا متأكد أن ظهورك على الشاشة سيكون السبب في أن عدة نجوم سينما من المشهورين الآن سوف يقعدون في بيروتهم بلا عمل.
ولم يتركني أتكلم، بل قال لي: شوف يا محمود، ما دمت قد زرتني في المكتب! فإن خبر هذه الزيارة سوف ينتشر في الوسط السينمائي كله، وبالتأكيد، عندما تذهب الآن غلى البيت سوف تجد ثلاثين طلباً لك من المنتجين السينمائيين، وأنا أريد منك أن لا تقبل الآن العمل مع أي منهم!
وفعلاً، عندما ذهبت إلى البيت فوجئت باتصالات عديدة من مخرجين ومنتجين، وأحدهم كمال صلاح الدين جاء إليَّ ومعه سيناريو فيلم «بنات حتتنا» وعقد لتمثيل دور البطولة في هذا الفيلم، ومبلغ أربعمائة جنيه كدفعة أولى!
والمبلغ يومها كان مغرياً لي، خصوصاً وأنه دفعة أولى، ومن يدري ماذا ستكون الدفعات التالية، ولكنني مع ذلك تذكرت نصيحة رمسيس نجيب، فأخذت من كمال صلاح الدين العقد موقعاً منه، ومعه الفلوس أيضاً، وقلت له: شوف يا أستاذ كمال، أنا سأعرض الموضوع على رمسيس نجيب، فإذا وافق كان به، وإلا، فأنا سأعيد إليك فلوسك ونعتبر الموضوع منتهياً.