رحل موسيقار الاجيال و في جعبته أربعة ألحان لم يكملها
في شهر رمضان من كل عام كان موسيقار الاجيال ،هو اللقب الذي منحه والدي الراحل محمد بديع سربيه للموسيقار محمد عبد الوهاب ،و زوجته السيدة نهلة يحرصان على دعوة والدي واسرته ،وبعض الأصدقاء على الإفطار في ليلة القدر ،وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان في ١١ / ٤ /١٩٩١، كنت مع اسرتي نتناول طعام الإفطار في بيت الموسيقار في الزمالك في القاهرة.
وبعد العشاء ونحن نشرب الشاي قلت لوالدي اني أحمل في حقيبتي جهاز تسجيل صغير وعدة أسئلة اريد طرحها على الموسيقار ، فقال لي "الوقت غير مناسب ربما في جلسة أخرى" ، فالتفت نحونا الموسيقار و سأل والدي "بتقولك ايه يا محمد؟" رد :"تريد مي ان تطرح عليك عدة أسئلة صحفية ولكني قلت لها الوقت غير مناسب" ،فقال الموسيقار :"بالعكس تعالي يا مي وشوفي انت عايزه تسأليني في ايه". فرحت ،وأخرجت جهاز التسجيل وجلسنا في زاوية الصالون.
كان سؤالي الأول حول الألحان و ما إذا كان بصدد تلحين أغنيات جديدة ،أجاب انه دائما في حالة عمل وهو قد يخطر له نغمة في اي وقت ،وهو يعمل على أربعة ألحان ولم يكتمل بعد اي منها ،ولا يعرف متى ستكتمل لأن اللحن لا يعتبره مكتملا إلا عندما يسجله ويسمعه الناس ، قبل ذلك يظل اللحن قيد التجهيز.
سؤالي الثاني كان حول من سيغني هذه الألحان ،فقال انه لم يقرر بعد ولكن في تفكيره الكثير من الأصوات الحلوة مثل نجاة الصغيرة ، وردة ،هاني شاكر ،محمد ثروت ،محمد الحلو ، كل هؤلاء يتمتعون بأصوات جميلة.
وتتعدد الأسئلة ويجيب الموسيقار دون ضيق ، وعندما انتهيت من الأسئلة كان قالب كبير من الحلوى بانتظار السيدة نهلة فتجمعنا حولها وغنينا "سنة حلوة يا جميل سنة حلوة يا نهلة"، والجدير بالذكر ان الموسيقار محمد عبد الوهاب قد لحن للمطربة صباح اغنية سنة حلوة يا جميل من كلمات الشاعر الراحل محمد علي فتوح في فيلم (فاتنة الجماهير) الذي عرض عام ١٩٦٤ وكان والدي قد زار وقتها الموسيقار محمد عبد الوهاب مع النجمة الراحلة صباح في منزله وحصلا على موافقته لتلحين اغنية سنة حلوة لتغنيها الصبوحة. مع انتهاء الحديث قال لي الموسيقار "انا متشوق لقراءة الحديث واشوف شطارتك في الكتابة".
في اليوم التالي لإجراء حديثي مع موسيقار الأجيال سافرت مع اسرتي الى لندن ، وبعدها بأيام سقط على الأرض في منزله نتيجة انزلاقه بسجادة الصالون ،و من ثم توفي في منزله.
حديثي معه كان آخر حديث صحفي أدلى به و رحل قبل أن يقرأه ، ففضلت عند نشره ان يكون كما كتبته عندما كان على قيد الحياة ، ووضعت مقدمة قلت فيها : ان هذا الحديث كان سينشر في هذا العدد بشكل طبيعي ،ولم أكن أتخيل أن عناوينه سوف تتغير في آخر لحظة ، ويحل مكانها عنوان مثير وحزين في وقت واحد ، وهو انه آخر حديث صحفي أدلى به محمد عبد الوهاب قبل رحيله. في الذكرى ٣٢ لرحيله أتذكره بكل محبة وتقدير للروائع التي أعطاها للفن وأسعد بها الملايين ،رحم الله موسيقار الأجيال.
مي سربيه شهاب