شارع النجوم / نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة ( الحلقة 2)
فنانون: محمود عبد العزيز
محمود عبد العزيز مع هاني مهنى وذكرى

نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة ( الحلقة 2)

ونتابع في هذه الحلقة الحوار الذي أجراه محمد بديع سربيه مع محمود عبد العزيز..

---------------------

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1994:

وأسأل النجم الشاب:

· ووالدك هل كان موافقاً على حبك للتمثيل؟

وأجاب:

- أبداً، انه كان في قمة نجاحه، وكان هو الذي يستثمر محاصيل حدائق الخاصة الملكية، وكان أكره شيء لديه أن يعرف أن أي إنسان يمثل، وعندما كان يعرف أنني غارق في النشاط المسرحي في المدرسة، كان ينظر إليّ بشدة ويقول لي: يا جدع، بص لنفسك، أنا عاوزك تهتم بدراستك وتنجح فيها!

ولم يكن محمود عبد العزيز يترك فرصة لوالده لكي يوجه إليه أي لوم على نشاطه المسرحي!

انه ظل يحقق النجاح في كل مراحل الدراسة، إلى أن وصل إلى الثانوية العامة ويتفوق، مما جعله قادراً على الدخول إلى معهد الفنون المسرحية مجاناً.

ورفض الوالد بشدة..

رفض أن يدخل إبنه إلى معهد التمثيل!

وكيف يحدث ذلك، كيف يمكن أن يرضى بأن يمثل ابنه، وهو الذي طول عمره لا يقيم وزناً لأي ممثل!

ولم يكن في استطاعة محمود عبد العزيز أن يقف في وجه معارضة والده.

سألته:

· وماذا فعلت؟

أجاب:

- عندما رفض والدي أن أدخل معهد الفنون المسرحية، طلع في دماغي أني أعمل دكتور، ولا أعرف لماذا، ولكن رغبتي هذه اصطدمت بعقبة مهمة، وهي أن المجموع الذي حصلت عليه في الثانوية العامة لا يؤهلني لدخول كلية الطب، وكان والدي يريدني فقط أن آخذ شهادة جامعية، وكان يريد أيضاً أن أتابع دراستي، في جامعة الاسكندرية، وليس في جامعة القاهرة، لكي أبقى إلى جانبه!

واختار محمود عبد العزيز أن يدخل إلى كلية الزراعة..

لم تكن الزراعة تستهويه..

ولم يكن يعرف عنها أي شيء من قبل!

· إذن، فلماذا يا محمود عبد العزيز اخترت كلية الزراعة؟

وقال النجم الشاب:

- اخترتها، لأنها احدى الكليات التي يؤهلني إليها المجموع الذي حصلت عليه في امتحانات الثانوية العامة، ولكن لم يكن هذا هو المهم بالنسبة لي، انما كان المهم هو أن أحصل على شهادة جامعية ارضاء لوالدي، وبعدها اختار لنفسي العمل الذي أحبه!

وأسأله:

· ودخلت كلية الزراعة؟

فأجاب:

- ايوه، دخلت الكلية، وفرحت لأنني عرفت أن فيها بعض أصحاب الأسماء المشهورة في عالم الفن مثل ثلاثي أضواء المسرح سمير غانم، جورج سيدهم، والمرحوم الضيف أحمد الذين كان يقدمهم المخرج محمد سالم في فوازير وبرامج تلفزيونية حلوة!

وفي القاعة التي حضر فيها محمود عبد العزيز أول محاضرة كيميائية في كلية الزراعة، التقى بزميل له من أيام الثانوية، فقال له الزميل:

· أنت عارف ان في الكلية مسرح، وانهم بيعملوا بروفات كل يوم؟

وكاد محمود عبدالعزيز أن يطير من الفرح، فسأله:

- وايمتى مواعيد البروفات في المسرح؟!

فقال له:

- الساعة ستة صباحاً!

قال محمود عبدالعزيز:

- وذهبت فعلاً إلى المسرح في الساعة السادسة صباحاً فوجدته مقفلاً، وانتظرت فلم يحضر أحد، وعندما سألت بعض الذين التقيتهم هناك عن سبب إغلاق المسرح، أخذوا يضحكون عليّ، وعرفت عندئذٍ أنني شربت مقلباً من زميلي في الكلية، الذي ظن أنني فلاح ساذج فأراد أن يضحك عليّ!

قلت له:

· وهل التقيته بعد هذا المقلب؟

فأجاب النجم الشاب:

- طبعاً، وتخانقت معه، لكن ما لبث أن صالحني وصالحته، وما زلت أذكره، فهو ممدوح هنري، وهو الآن صاحب شركة للاستيراد والتصدير في الاسكندرية!

وسألت محمود عبدالعزيز:

· يخيل إلي أن التمثيل المسرحي كان يشغلك عندما دخلت كلية الزراعة، أكثر من الزراعة نفسها التي جئت لدراستها!

فأجاب:

- ده صحيح، وأنا أجريت اختباراً أمام لجنة فاحصة، ووقع علي الاختيار لتمثيل دور البطولة في مسرحية "ميت مرغوب" وقد أخرجها طالب في كلية طب الاسنان بالاسكندرية اسمه فؤاد خليل، وبعد هذه المسرحية اشتهرت في كلية الزراعة بشخصيتي الكوميدية، وبما أقدمه من اسكتشات ضاحكة في كل المناسبات، بحيث أصبحت محبوباً من عميد الكلية إلى أصغر موظف فيها!

سألته:

· ومن كان عميد كلية الزراعة عندما كنت طالباً فيها؟

فقال:

- كان العميد يومها الدكتور شفيق الخشن، وأذكر انه رشح نفسه في الانتخابات لعضوية مجلس الشعب وكنت وزملائي في الكلية في غاية الحماس له، وكنا نقضي الليل عنده في البدروم استعداداً لجولات نقوم بها في اليوم الثاني لتوزيع صوره وبياناته، ولصق اليافطات التي تدعو إلى انتخابه على الجدران، وقد نجح الدكتور الخشن في الانتخابات وسعدت أنا وزملائي بهذا الانتصار!

قلت له:

· وفي الجو الجامعي لا بد وأنك نسيت هوايتك الفنية؟

فقال:

- لا، أبداً، بل انني كنت قد غرقت في النشاط المسرحي في الجامعة وفي منتصف أول سنة لي في كلية الزراعة تقرر أن تشترك جامعة الاسكندرية في مسابقة المسرح الجامعي، واشتركت مع كبار الأساتذة في بحث الموضوع، وعندما طرح أمر الاستعانة بمخرج معروف في التلفزيون أو المسرح لاخراج المسرحية التي ستشترك بها الجامعة في المسابقة، اقترح البعض اسم المخرج محمد فاضل!

سألته:

· ولماذا هو بالذات؟

فقال:

- لأنه كان خريج كلية الزراعة، وكان يقدم برنامجاً تلفزيونياً اسمه "القاهرة والناس" كما انه كان مساعداً للمخرج الكبير نور الدمرداش، وبالفعل ذهب مندوب عن كلية الزراعة إلى محمد فاضل، وتعاقد معه على أن يخرج رواية لفريق جامعة الاسكندرية ليدخل بها المسابقة!

وجاء محمد فاضل إلى الجامعة..

واستعرض الطلاب الذين سيمثلون في المسرحية.

وعندما وصل إلى محمود عبدالعزيز قال له:

· ممكن أشوف مشهد تمثيلي منك؟

وعلى الفور مثّل الطالب الشاب أمام محمد فاضل نفس المشهد الذي كان قد مثّله قبلاً في رواية "ما وراء الأفق" عندما كان في صف الثانوية العامة!

وبعد الأخذ والرد اختار المخرج محمد فاضل الرواية التي ستدخل بها جامعة الاسكندرية المسابقة مع بقية الجامعات، وكانت رواية "مشهد من الجسر" للكاتب الأميركي آرثر ميللر، ومثّل فيها محمود عبدالعزيز دور شاب بسيط وغير معقد تصادفه سلسلة من المفارقات الاجتماعية.

وفازت المسرحية بالمرتبة الأولى على كل جامعات مصر..

وأيضاً فإن محمود عبد العزيز فاز بجائزة التمثيل الأولى!

وما دام محمد فاضل قد أوصل فريق جامعة الاسكندرية إلى الفوز بالمرتبة الأولى في مسابقة المسرح، فقد كان من الطبيعي أن يؤتى به في السنة التالية لاخراج مسرحية المسابقة.

ويومها، جاء محمد فاضل بمسرحية اسمها "الجالية" ومثّل فيها محمود عبد العزيز أيضاً ولكنها بدلاً من أن تثير الاعجاب ثارت السخرية لأن المخرج وضع على المسرح مقطورات شبيهة بالترامويات، وكانت النتيجة أن فازت المسرحية بالمرتبة الثانية هذه المرة، وبقى محمود عبد العزيز كممثل في المرتبة الأولى بالنسبة لفريق التمثيل في جامعة الاسكندرية!

وفي هذه الاثناء أراد فريق التمثيل أن يعمل على تطوير الوعي الفني عند اعضائه فاستقدم أساتذة في معهد الفنون المسرحية إلى الجامعة لإلقاء محاضرات عن فن التمثيل، وكان منهم سعد أردش وكمال ياسين.

وعندما حان موعد مباراة المسرح الجامعية في السنة الثالثة رأى فريق التمثيل بجامعة الاسكندرية الاستغناء عن المخرج محمد فاضل، الذي أعاده إلى الدرجة الثانية، وفعلاً، تعاون مع فنان شاب في المسرح القومي اسمه "أحمد الناغي" فأخرج للفريق مسرحية "جيش الخلاص" من تأليف برنارد شو" وكانت المسرحية ناجحة وفازت بها جامعة الاسكندرية بالمرتبة الأولى، كما فاز محمود عبد العزيز مجدداً بجائزة التمثيل، فكان الأول على مستوى كل جامعات مصر!

وسألت محمود عبدالعزيز:

· ولكن، هل أن المسرحيات التي تتحدث عنها، كانت تعرض في مسرح الجامعة فقط؟

فأجاب:

- ايوه، بس في مسرح الجامعة، ولم يكن عرضها يستمر أكثر من ثلاثة أيام ويتخللها وصلات سمر واسكتشات فكاهية!

قلت:

· وهل أن التمثيل المسرحي كان هو وحده النشاط الفني لك ولزملائك في كلية الزراعة بجامعة الاسكندرية؟

فأجاب:

- لا، وكان هناك أيضاً معسكر شباب الجامعة وتتخلله نشاطات اجتماعية وبرامج ترفيهية عديدة!

· وأين كان يقام هذا المعسكر؟

وأجاب:

- في بادئ الأمر كان يقام في "مرسى مطروح" ولكن حدث أن أحدهم تحرش بفتاة في المعسكر، وكان ابن حكومة، فتجمع حوله شبان المعسكر وقذفوا به إلى البحر، فكانت أزمة، ومنعت الجامعة من إقامة معسكرها في "مرسى مطروح" ولكن أمكن العثور بعدئذٍ على مكان ساحر في بقعة اسمها "باجوش" أقيم فيها المعسكر الذي كانت تمتد فيه ليالي السمر إلى أسبوع أو عشرة أيام، وكنت ألتحق بهذا المعسكر من بدايته حتى نهايته أي أقضي فيه ثلاثة أشهر كاملة، ولكن ليس بإرادتي!

قلت:

· إذن بإرادة من؟

فأجاب:

- الذي حدث هو أنني كنت نجم حفلات السمر في المعسكر الذي كان يتغير مديره كل عشرة أيام، وكلما جاء مدير كان يلح عليّ بالبقاء حتى لا تبرد حرارة ليالي السمر، وكان يغريني بالبقاء بطريقة واحدة هي اعفائي من دفع رسوم الاشتراك في المعسكر!

وبدأت دقات المسرح الثلاث تعلن عن اقتراب موعد رفع الستار عن الفصل الثاني من مسرحية "727" وكان لا بد لي من العودة إلى صفوف المتفرجين..

بانتظار الاستراحة الثانية!

"محمد بديع سربيه"