باقة ورد إلى الصبوحة في عيد ميلادها.. وتألقها!
تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم».
--------------------------------
كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1991:
ترفض النجمة المطربة صباح، منذ أن كانت في سن المراهقة أن تحتفل بعيد ميلادها، الذي يعرف جميع أصدقائها ومحبيها أنه في يوم العاشر من تشرين الثاني «نوفمبر» فلا يكون أمامهم سوى أن يبعثوا إليها بباقات الورد أو يدعون لها بطول العمر والنجاح والتألق.
وكنت في يوم عيد ميلادها في الشهر الماضي قد اقترحت على زوجها نجم الفولكلور الفنان الراقص والمغني فادي لبنان أن نفاجئها وهي تغني على المسرح في النادي الليلي لفندق «ميريديان» بمظاهرة من حاملات باقات الورد والتورتات. وأن نغني جميعاً لها أغنيتها المشهورة والمحبوبة «سنة حلوة يا جميل»..
وقلت لفادي لبنان:
• إن هذه الفنانة المشرقة، والتي تجسد أحلى نموذج للفنانة الراقية التي تحترم جمهورها، وتعرف قيمة حبه لها، فتحافظ على هذا الحب بالمحافظة على جمال فنها.
وأجاب الفنان الظريف:
- أنا سأكون في قمة الفرح لو أتيح لي أن أحتفل بعيد ميلاد الصبوحة، فهي بالنسبة لي ليست الزوجة التي أحبها، بل وأيضاً الفنانة التي أعتبرها مثلاً أعلى في الفن، في الذكاء، وفي معاملة الناس، في صفاء النفس والقلب.. ولكن، تعودت منذ تزوجنا ألاّ أخفي عنها شيئاً..
قلت:
• ولكن، ما سنفعله ليس شيئاً خطيراً يمكن أن يغضبها إخفاؤه عنها!.
فقال فادي لبنان وهو يبتسم:
- مش هيك، بس المشكلة أنها على قدر من الذكاء بحيث أنها بمجرد أن تنظر إلى عيني تعرف أن هناك ما أخفيه عنها، وبابتسامة واحدة منها تجعلني، ومن تلقاء نفسي، أبوح بالسر الذي أخفيه!.
قلت:
• حاول هذه المرة أن تصمد أمام عينيها، وغداً مساء نلتقي في فندق «ميريديان» ونرتب الاحتفال المفاجئ بعيد ميلادها!
ولكن، وقبل أن يجيء مساء اليوم التالي، اتصل بي فادي لبنان وقال لي:
- يا معلم.. ما قدرت أصمد أمام ابتسامة الصبوحة!
سألته:
• وشو صار؟
فأجاب:
- وبمجرد أن دخلت إليها بعد الحديث الذي تبادلته معي سألتني: شو حكيت أنت والأستاذ بديع؟ ورأيت نفسي أعترف لها بالحقيقة..
قلت له:
• المهم، ماذا كان ردها؟
فأجاب:
- رفضت بشدة، وأصرت عليّ بألاّ نفعل شيئاً من الذي اتفقنا عليه أنت وأنا، بل وهدّدت بترك المسرح إذا ما رأت أية تورتة..
فقلت له عندئذ:
• إذن نكتفي بباقة الورد التي أرسلها كل سنة إليها في أي بلد تكون فيه!.
وبيني وبين الصبوحة موعدان في كل عام..
باقة الورد التي أرسلها إليها في عيد ميلادها..
وصورتها التي تتألق على غلاف «الموعد» مع بداية كل عام جديد، كما تألقت على غلاف أول عدد صدر من المجلة عام 1953، وكان وجهها خيراً عليها، وظلت الصبوحة نفسها حتى الآن هي التي تتألق على غلاف أول عدد يصدر كل عام.
ولقد عدت، وأنا أعد غلاف الصبوحة للعدد الأول من عام 1991 إلى ملفاتي القديمة، فوجدت فيها قصة حياة صباح، كما كتبتها هي نفسها عام 1953، ورأيت أنها تستحق أن تكون هي هديتي إلى قراء «شارع النجوم» في مطلع العام الذي يتجدد فيه شباب صباح الفني، ويزداد تألقها الفني!.
إن صباح روت قصتها منذ بداية حياتها وحتى عام 1953 فقالت:
أنا من مواليد 10 تشرين الثاني «نوفمبر» عام 1927، وولدت في بيروت نفسها، فأنا بنت العاصمة اللبنانية، وقيدوا اسمي في دفتر المواليد هكذا: «جانيت فغالي» وهذا هو اسمي الذي ظللت أحمله حتى جيء بي إلى مصر، فتغيّر إلى هذا الاسم الجميل «صباح».. وما إن اشتد عودي حتى دفع بي والدي إلى مدرسة الـ «Sacré Coeur» ببيروت، وهناك تفتحت “عبقريتي” بل اكتشفت «موهبتي» فقد التحقت بقسم الأناشيد، وقلن عني أن لي صوتاً مغرداً، ولمسن فيّ المكر والميل إلى اللهو فألحقنني بشعبة التمثيل، فكنت أضطلع ببطولة الروايات التي كانت الراهبات يعددنها في المواسم والأعياد وحفلات آخر العام الدراسي، وهكذا تعلمت الإنشاد والغناء، وتعلمت التمثيل والرقص التوقيعي وأنا بعد لم أتجاوز السابعة من عمري..
ولقد اكتشفت أن «لعبقريتي» المبكّرة أسباباً، فقد ورثتها عن «عمي» الذي كان معروفاً في ذلك الوقت باسم «شحرور الوادي» وكان مغنياً وزجالاً مشهوراً، وكانت الصالات والمحافل تردد أغانيه وأشعاره، وأزجاله..
ولقد أطلقوا عليّ هناك فيما بعد لقب «عمي» فأصبحت وأنا في سن الخامسة عشر، أُعرف في بيروت باسم «شحرورة الوادي»..
وكبرت، أو قل مرت علي الأعوام متتالية متشابهة، إلا من الحفلات التي كنت أدعى إليها لأغني فيها..
وجاء اليوم الذي بدأت أذهب فيه إلى دور السينما لأشاهد الأفلام العربية، وكنت أخرج من السينما وكأنني تجرعت عشرين كأساً من الخمر فأسأل نفسي: «متى أغدو مثل هؤلاء الممثلات؟»..
كان حلماً، وأبت الأقدار إلا أن تحقّقه..
وسمع الناس بي، سمعوا أن شحرور الوادي له ابنة أخ تغني مقطوعاته وتؤدي أدواره كأحسن ما يكون الأداء..
وبدأت أغني في الحفلات وأنا ما أزال طالبة في «المدرسة» وبدأت أذهب إلى ثكن الجيش و«الجندرمة» أحيي حفلاتهم الخاصة وأنال التصفيق والإعجاب..
ومضت الأيام والسنون.. وأنا أعيش في حلم الظهور في السينما، وأرى نفسي على الشاشة وأسمع الناس يتحدثون عن «جانيت فغالي» حتى جاء اليوم الموعود، بل قل جاء الأمل وبقي تحقيقه..
وكان ذلك عام 1943 عندما جاء موزع أفلام السيدة آسيا يقول لها: «وجدت بنتاً لا بأس بها ولها صوت لا بأس به قد يصلح للسينما».
وجاء رد آسيا: «ابعث إليّ صورتها»
وجاءني يطلب صورتي..
ولا أريد أن أطيل في وصف التوسلات والابتهالات التي صنعتها للمصور لكي يلتقط لي صورة تفتح لي أبواب الجنة..
أبواب الاستديو..
وسلّمت الموزع الصورة، وهرعت إلى القديسة «تريزا» أبتهل إليها أن تكون نصيرتي عند السيدة آسيا ونذرت لها النذور..
وعشت في غيبوبة طيلة ثلاثة شهور حتى جاءني وكيل السيدة آسيا ومعه الموافقة على ظهوري في فيلم وسلّمني عقداً لأوقّع عليه..
وحملت «العقد» وقبلته، وقبلت كل الأهل والأقارب والأصدقاء، ثم أخفيته في حرز حريز..
لقد خفت أن يُسرق العقد مني.. وخفت أن ترجع السيدة آسيا في كلامها..
وعشت في قلق وخوف حتى سافرت إلى مصر..
وجاءت اللحظة الحاسمة..
لقد وجدت مؤتمراً في انتظاري يضم أساطين الفن، وفي مقدمتهم الملحنان الكبيران محمد القصبجي وزكريا أحمد، وغيرهما، وكانت لجنة امتحان لها هيبتها، لكنني صمدت وغنيت وأحسنت، وقالوا: «مش بطالة».. تنفع»..
ثم أعلنوا عن مسابقة في الصحف لاختيار اسم لي، فاختار القراء اسم «صباح»..
وهكذا ظهرت في أول فيلم لي: «القلب له واحد» ورحت أستعيد ماضيَّ القريب..
أين هو «...» ابن الجيران؟ لقد كنت أحبه، أو هكذا خُيّل إليّ في يوم من الأيام؟ وأين هو من المجد الذي ينتظرني..
لقد كان يريد أن يتزوجني، وكان يحبني حباً ملك عليه فؤاده، وكنت قد قبلت بصفة مبدئية أن أكون زوجته، وكنت أحس بالسعادة لأنني سأجده زوجاً لي، فقد كان قلبي يهفو إلى حياة الأسرة..
ولكن، ما إن وقّعت على العقد، وسافرت إلى القاهرة، حتى نسيت عهدي له ووعدي له بالزواج، بل ونسيت اسمه، وكان هذا هو الفيلم الأول الذي قام فيه «أنور وجدي» بدور البطولة أيضاً..
ولقد كنت جريئة، لم أخف من الكاميرا، ولم يطلبوا مني إعادة تمثيل منظر واحد، وتعلمت اللهجة المصرية، وكان حافزي إلى كل هذا هو النجاح في عملي ونقدوني 150 جنيهاً أجراً لي.. استولى عليها أبي!..
ومنحتني السيدة آسيا هدية لطيفة، وكذلك «الفساتين» التي ظهرت بها في الفيلم..
وانتهى عملي في الفيلم، وبقي أن ينفذ العقد الذي ينص على ظهوري في فيلم ثان..
وجاء اليوم، يوم العرض الأول للفيلم لأرى نفسي.. على الشاشة البيضاء؟
كدت أُجن، وهذا الوصف ليس فيه أية مبالغة، لم أشأ أن أترك السينما، وبقيت فيها ثلاث حفلات متوالية، ولو كان الأمر بيدي، لطلبت من إدارة السينما أن تعد لي سريراً داخل مقصورة لأنام بداخلها حتى يحين اليوم التالي!.
وعدت إلى لبنان سعيدة منتصرة، وارتفعت أسهمي في لبنان.. وارتفع أجري، وتهافتت عليّ المسارح ومتعهدو الحفلات وأقبلت الدنيا بأسرها تخطب ودي..
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)
--------------------------------
كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1991:
ترفض النجمة المطربة صباح، منذ أن كانت في سن المراهقة أن تحتفل بعيد ميلادها، الذي يعرف جميع أصدقائها ومحبيها أنه في يوم العاشر من تشرين الثاني «نوفمبر» فلا يكون أمامهم سوى أن يبعثوا إليها بباقات الورد أو يدعون لها بطول العمر والنجاح والتألق.
وكنت في يوم عيد ميلادها في الشهر الماضي قد اقترحت على زوجها نجم الفولكلور الفنان الراقص والمغني فادي لبنان أن نفاجئها وهي تغني على المسرح في النادي الليلي لفندق «ميريديان» بمظاهرة من حاملات باقات الورد والتورتات. وأن نغني جميعاً لها أغنيتها المشهورة والمحبوبة «سنة حلوة يا جميل»..
وقلت لفادي لبنان:
• إن هذه الفنانة المشرقة، والتي تجسد أحلى نموذج للفنانة الراقية التي تحترم جمهورها، وتعرف قيمة حبه لها، فتحافظ على هذا الحب بالمحافظة على جمال فنها.
وأجاب الفنان الظريف:
- أنا سأكون في قمة الفرح لو أتيح لي أن أحتفل بعيد ميلاد الصبوحة، فهي بالنسبة لي ليست الزوجة التي أحبها، بل وأيضاً الفنانة التي أعتبرها مثلاً أعلى في الفن، في الذكاء، وفي معاملة الناس، في صفاء النفس والقلب.. ولكن، تعودت منذ تزوجنا ألاّ أخفي عنها شيئاً..
قلت:
• ولكن، ما سنفعله ليس شيئاً خطيراً يمكن أن يغضبها إخفاؤه عنها!.
فقال فادي لبنان وهو يبتسم:
- مش هيك، بس المشكلة أنها على قدر من الذكاء بحيث أنها بمجرد أن تنظر إلى عيني تعرف أن هناك ما أخفيه عنها، وبابتسامة واحدة منها تجعلني، ومن تلقاء نفسي، أبوح بالسر الذي أخفيه!.
قلت:
• حاول هذه المرة أن تصمد أمام عينيها، وغداً مساء نلتقي في فندق «ميريديان» ونرتب الاحتفال المفاجئ بعيد ميلادها!
ولكن، وقبل أن يجيء مساء اليوم التالي، اتصل بي فادي لبنان وقال لي:
- يا معلم.. ما قدرت أصمد أمام ابتسامة الصبوحة!
سألته:
• وشو صار؟
فأجاب:
- وبمجرد أن دخلت إليها بعد الحديث الذي تبادلته معي سألتني: شو حكيت أنت والأستاذ بديع؟ ورأيت نفسي أعترف لها بالحقيقة..
قلت له:
• المهم، ماذا كان ردها؟
فأجاب:
- رفضت بشدة، وأصرت عليّ بألاّ نفعل شيئاً من الذي اتفقنا عليه أنت وأنا، بل وهدّدت بترك المسرح إذا ما رأت أية تورتة..
فقلت له عندئذ:
• إذن نكتفي بباقة الورد التي أرسلها كل سنة إليها في أي بلد تكون فيه!.
وبيني وبين الصبوحة موعدان في كل عام..
باقة الورد التي أرسلها إليها في عيد ميلادها..
وصورتها التي تتألق على غلاف «الموعد» مع بداية كل عام جديد، كما تألقت على غلاف أول عدد صدر من المجلة عام 1953، وكان وجهها خيراً عليها، وظلت الصبوحة نفسها حتى الآن هي التي تتألق على غلاف أول عدد يصدر كل عام.
ولقد عدت، وأنا أعد غلاف الصبوحة للعدد الأول من عام 1991 إلى ملفاتي القديمة، فوجدت فيها قصة حياة صباح، كما كتبتها هي نفسها عام 1953، ورأيت أنها تستحق أن تكون هي هديتي إلى قراء «شارع النجوم» في مطلع العام الذي يتجدد فيه شباب صباح الفني، ويزداد تألقها الفني!.
إن صباح روت قصتها منذ بداية حياتها وحتى عام 1953 فقالت:
أنا من مواليد 10 تشرين الثاني «نوفمبر» عام 1927، وولدت في بيروت نفسها، فأنا بنت العاصمة اللبنانية، وقيدوا اسمي في دفتر المواليد هكذا: «جانيت فغالي» وهذا هو اسمي الذي ظللت أحمله حتى جيء بي إلى مصر، فتغيّر إلى هذا الاسم الجميل «صباح».. وما إن اشتد عودي حتى دفع بي والدي إلى مدرسة الـ «Sacré Coeur» ببيروت، وهناك تفتحت “عبقريتي” بل اكتشفت «موهبتي» فقد التحقت بقسم الأناشيد، وقلن عني أن لي صوتاً مغرداً، ولمسن فيّ المكر والميل إلى اللهو فألحقنني بشعبة التمثيل، فكنت أضطلع ببطولة الروايات التي كانت الراهبات يعددنها في المواسم والأعياد وحفلات آخر العام الدراسي، وهكذا تعلمت الإنشاد والغناء، وتعلمت التمثيل والرقص التوقيعي وأنا بعد لم أتجاوز السابعة من عمري..
ولقد اكتشفت أن «لعبقريتي» المبكّرة أسباباً، فقد ورثتها عن «عمي» الذي كان معروفاً في ذلك الوقت باسم «شحرور الوادي» وكان مغنياً وزجالاً مشهوراً، وكانت الصالات والمحافل تردد أغانيه وأشعاره، وأزجاله..
ولقد أطلقوا عليّ هناك فيما بعد لقب «عمي» فأصبحت وأنا في سن الخامسة عشر، أُعرف في بيروت باسم «شحرورة الوادي»..
وكبرت، أو قل مرت علي الأعوام متتالية متشابهة، إلا من الحفلات التي كنت أدعى إليها لأغني فيها..
وجاء اليوم الذي بدأت أذهب فيه إلى دور السينما لأشاهد الأفلام العربية، وكنت أخرج من السينما وكأنني تجرعت عشرين كأساً من الخمر فأسأل نفسي: «متى أغدو مثل هؤلاء الممثلات؟»..
كان حلماً، وأبت الأقدار إلا أن تحقّقه..
وسمع الناس بي، سمعوا أن شحرور الوادي له ابنة أخ تغني مقطوعاته وتؤدي أدواره كأحسن ما يكون الأداء..
وبدأت أغني في الحفلات وأنا ما أزال طالبة في «المدرسة» وبدأت أذهب إلى ثكن الجيش و«الجندرمة» أحيي حفلاتهم الخاصة وأنال التصفيق والإعجاب..
ومضت الأيام والسنون.. وأنا أعيش في حلم الظهور في السينما، وأرى نفسي على الشاشة وأسمع الناس يتحدثون عن «جانيت فغالي» حتى جاء اليوم الموعود، بل قل جاء الأمل وبقي تحقيقه..
وكان ذلك عام 1943 عندما جاء موزع أفلام السيدة آسيا يقول لها: «وجدت بنتاً لا بأس بها ولها صوت لا بأس به قد يصلح للسينما».
وجاء رد آسيا: «ابعث إليّ صورتها»
وجاءني يطلب صورتي..
ولا أريد أن أطيل في وصف التوسلات والابتهالات التي صنعتها للمصور لكي يلتقط لي صورة تفتح لي أبواب الجنة..
أبواب الاستديو..
وسلّمت الموزع الصورة، وهرعت إلى القديسة «تريزا» أبتهل إليها أن تكون نصيرتي عند السيدة آسيا ونذرت لها النذور..
وعشت في غيبوبة طيلة ثلاثة شهور حتى جاءني وكيل السيدة آسيا ومعه الموافقة على ظهوري في فيلم وسلّمني عقداً لأوقّع عليه..
وحملت «العقد» وقبلته، وقبلت كل الأهل والأقارب والأصدقاء، ثم أخفيته في حرز حريز..
لقد خفت أن يُسرق العقد مني.. وخفت أن ترجع السيدة آسيا في كلامها..
وعشت في قلق وخوف حتى سافرت إلى مصر..
وجاءت اللحظة الحاسمة..
لقد وجدت مؤتمراً في انتظاري يضم أساطين الفن، وفي مقدمتهم الملحنان الكبيران محمد القصبجي وزكريا أحمد، وغيرهما، وكانت لجنة امتحان لها هيبتها، لكنني صمدت وغنيت وأحسنت، وقالوا: «مش بطالة».. تنفع»..
ثم أعلنوا عن مسابقة في الصحف لاختيار اسم لي، فاختار القراء اسم «صباح»..
وهكذا ظهرت في أول فيلم لي: «القلب له واحد» ورحت أستعيد ماضيَّ القريب..
أين هو «...» ابن الجيران؟ لقد كنت أحبه، أو هكذا خُيّل إليّ في يوم من الأيام؟ وأين هو من المجد الذي ينتظرني..
لقد كان يريد أن يتزوجني، وكان يحبني حباً ملك عليه فؤاده، وكنت قد قبلت بصفة مبدئية أن أكون زوجته، وكنت أحس بالسعادة لأنني سأجده زوجاً لي، فقد كان قلبي يهفو إلى حياة الأسرة..
ولكن، ما إن وقّعت على العقد، وسافرت إلى القاهرة، حتى نسيت عهدي له ووعدي له بالزواج، بل ونسيت اسمه، وكان هذا هو الفيلم الأول الذي قام فيه «أنور وجدي» بدور البطولة أيضاً..
ولقد كنت جريئة، لم أخف من الكاميرا، ولم يطلبوا مني إعادة تمثيل منظر واحد، وتعلمت اللهجة المصرية، وكان حافزي إلى كل هذا هو النجاح في عملي ونقدوني 150 جنيهاً أجراً لي.. استولى عليها أبي!..
ومنحتني السيدة آسيا هدية لطيفة، وكذلك «الفساتين» التي ظهرت بها في الفيلم..
وانتهى عملي في الفيلم، وبقي أن ينفذ العقد الذي ينص على ظهوري في فيلم ثان..
وجاء اليوم، يوم العرض الأول للفيلم لأرى نفسي.. على الشاشة البيضاء؟
كدت أُجن، وهذا الوصف ليس فيه أية مبالغة، لم أشأ أن أترك السينما، وبقيت فيها ثلاث حفلات متوالية، ولو كان الأمر بيدي، لطلبت من إدارة السينما أن تعد لي سريراً داخل مقصورة لأنام بداخلها حتى يحين اليوم التالي!.
وعدت إلى لبنان سعيدة منتصرة، وارتفعت أسهمي في لبنان.. وارتفع أجري، وتهافتت عليّ المسارح ومتعهدو الحفلات وأقبلت الدنيا بأسرها تخطب ودي..
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)