Stars' Boulevard / مشوار مع فاتن حمامة (7)/ هل هناك «أبله حكمت» حقيقية؟
فنانون: فاتن حمامة
محمد بديع سربيه وفاتن حمامة

مشوار مع فاتن حمامة (7)/ هل هناك «أبله حكمت» حقيقية؟

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

على امتداد النصف الأول من شهر رمضان المبارك لم يكن أحد في مصر يخرج من بيته ليلاً الا بعد انتهاء عرض مسلسل «ضمير أبله حكمت» بل وبات أي حديث على التليفون بين أي اثنين لا يزيد عن سؤال: متى أراك؟ وتكون الإجابة في الليل ، بعد «أبله حكمت»!.
ولم يكن هذا يحدث في مصر فقط بل في جميع البلدان العربية التي كانت تشاهد مسلسل «ضمير أبله حكمت» الذي كان يجتذب الملايين الى شاشة التلفزيون، بحيث يرتّبون أوقاتهم على أساس أن يكونوا أمامها في وقت عرض الحلقة..
وكنت واحداً من هؤلاء الملايين.. وعلى امتداد السنين كنت مدمناً على مشاهدة كل فيلم سينمائي تمثّله بطلة المسلسل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، بل وكنت أزورها في الأستديو كلما بدأت تصوير فيلم جديد، لأن رؤيتها وهي تمثّل أمام الكاميرا السينمائية كان متعة بالنسبة لي ما بعدها متعة، بل كان تمثيلها لكل مشهد يطربني كما يطربني سماع غناء أم كلثوم، خصوصاً وأنها لم تكن فقط أستاذة في الأداء الفني البارع، بل وكانت أيضاً على قدرة خارقة في التعامل مع الكاميرا السينمائية!.
وعندما بدأت فاتن حمامة في التعامل مع كاميرات التلفزيون في مسلسل «ضمير أبله حكمت « فإنني حرصت أيضاً على زيارتها في استديو نحاس، الذي كان يجري فيه تصوير المسلسل، حتى لا يتغيّر التقليد الذي درجت عليه منذ سنوات طويلة..
ولأنني شهدت ولادة «ضمير أبله حكمت» وكنت مع سيدة الشاشة العربية داخل ديكور المدرسة الذي صوّرت فيه المشاهد الداخلية من المسلسل، فقد كنت طوال الأشهر الماضية أتابع اخباره يوماً بيوم، وبلغت سعادتي القمة عندما أعلن عن عرضه في برامج رمضان، فكان أن الغيت أية مواعيد لي طوال النصف الأول من الشهر الكريم بين الساعة العاشرة والنصف والحادية عشرة والنصف ليلاً، لكي لا تفوتني مشاهدة حلقة واحدة من المسلسل.. واكتشفت مع الأيام أن الملايين في مصر ولبنان كانوا يفعلون ما فعلته!.
وكان في كل حلقة من مسلسل: «ضمير أبله حكمت» إبداع يدعوني الى أن أحمل سماعة التليفون، وأطلب فاتن حمامة لكي أهنئها، وأشكرها على إعادة القيمة الى المسلسلات التلفزيونية، إلا أنني آثرت أن أحتفظ بكلمات الشكر والتهنئة الى أن أشاهد الحلقة الأخيرة من المسلسل، لكي يكون كلامي عن المسلسل كعمل متكامل وليس عن جزء منه!.
وفعلاً، فإنني ليلة الخامس عشر من رمضان، وعندما عرضت الحلقة الأخيرة من المسلسل، فإن إبداع فاتن حمامة في تمثيل المشهد الأخير منه، والذي اختلط فيه بكاؤها مع ابتسامتها كان رائعاً الى الحد الذي هتف معه عشرة أشخاص من الذين كانوا يشاهدونها معي وبصوت واحد: فين الاوسكار.. وعلى هذا المشهد بالذات!.
وفي الصباح، وبالتليفون، أسمعت سيدة الشاشة العربية كلمات التهنئة، والتقدير، والإعجاب، والإحترام.
ولكن التهنئة بالتليفون لا تكفي.. وتواعدت مع فاتن حمامة على زيارتها صباحاً في شقتها الأنيقة في عمارة «ليبون» لأوصل اليها مباشرة صدى المسلسل في الأوساط والمجتمعات التي كنت أتواجد فيها خلال الليالي الرمضانية..
بل ولم أشأ أن أكون أنانياً.. وكان لا بد أن أشرك قراء «شارع النجوم» في لقاء الصباح مع فاتن حمامة، بعد ثمان وأربعين ساعة من انتهاء عرض الحلقة الأخيرة من مسلسلها العظيم: «ضمير أبله حكمت»!.
وقلت لسيدة الشاشة:
• عندما بدأ عرض الحلقة الأولى من مسلسل «ضمير أبله حكمت» خشيت ألاّ يكون في المسلسل جاذبية ما تشد اليه جمهور التلفزيون، وسألت نفسي: ترى هل إنك أنت التي اخترت أن تدور أحداث أول مسلسل تلفزيوني لك في أجواء المدارس والتعليم؟!.
وابتسمت فاتن حمامة وقالت لي: الحقيقة أنه كان هناك توارد خواطر بيني وبين المؤلف الأستاذ أسامة أنورعكاشة..
سألتها:
• ازاي؟!.
فأجابت:
- إنني عندما التقيت المخرجة إنعام محمد علي بعدما وافقت على تمثيل مسلسل تلفزيوني من إخراجها سألتني عن القضايا التي أفضل أن يتناولها المسلسل، فقلت لها: يا ريت نجد مسلسلاً يتناول قضايا التربية والتعليم، فردّت عليّ السيدة إنعام قائلة: هذا الموضوع بالذات هو الذي يتناوله الآن المؤلف أسامة أنور عكاشة، ويكتبه في المسلسل الذي سيقدّمه اليك..
وقلت لها:
• إنك على مدى السنين تعاملت مع الكاميرا السينمائية، وحتى عملك التلفزيوني السابق والوحيد للتلفزيون قبل «ضمير أبله حكمت» وهو حلقات «حكاية وراء كل باب»، صُوّر بكاميرا سينمائية، فهل شعرت بأية غربة أو اختلاف وأنت تمثّلين أمام كاميرات التلفزيون؟
فأجابت:
- في البداية شعرت بعدم الارتياح الى كاميرات التلفزيون لأنني أحسست بأنني كممثلة يجب أن أكون في خدمتها بعكس الكاميرا السينمائية التي تظل في خدمة الممثل، ولكني بعد يوم أو يومين تعوّدت على التعامل ببساطة مع كاميرات التلفزيون، بل واكتشفت أنها أقدر من الكاميرا السينمائية على إظهار الاحاسيس نفسها في المشهد كله..
سألتها:
• وعموماً، فهل إن التمثيل للتلفزيون يختلف عن التمثيل في السينما؟
فأجابت:
- التمثيل في التلفزيون هو مزيج من حسنات التمثيل السينمائي، والتمثيل المسرحي، فإن التمثيل في السينما يعتمد على الهمسة، والنظرة، والتعبير، والتمثيل في المسرح يجعل الإحساس بكل مشهد كاملاً، ولكن التمثيل في التلفزيون يحتاج الى مجهود كبير ولا سيما في حفظ حوار الدور، وفي مسلسل «ضمير أبله حكمت» زاد المجهود بالنسبة لي لأنه لم يكن هناك وقت لإجراء التدريبات المسبقة على المسلسل!.
قلت:
• والسبب؟!.
وأجابت سيدة الشاشة:
- السبب أن المخرجة إنعام محمد علي كانت قد حددت موعد البدء في تصوير مشاهد الإسكندرية، واختارت الوقت الذي يكون فيه الجو هادئاً هناك وقد انتهى المؤلف من كتابة آخر حلقة في المسلسل قبل أسبوع واحد فقط من موعد التصوير، وهكذا سرقنا الوقت، واضطررنا الى البدء بالعمل دون إجراء أية تدريبات مسبقة، ولكن النتيجة، والحمد لله، كانت جيدة!.
وسألت فاتن حمامة:
• وهل انت التي اخترت ممثلي وممثلات المسلسل، وهذا كان من شروطك عندما وقّعت عقد «ضمير أبله حكمت» مع التلفزيون؟
فأجابت:
- أنا اقترحت أن يمثل الأستاذ مظهر دور «سيادة القبطان» ، كذلك رشحت جميل راتب لدور صلاح أبو رحاب، وكان قد مثّل معي في إحدى حلقات «حكاية وراء كل باب» قبل أكثر من خمس عشرة سنة، أما بقية الممثلين والممثلات فإن المخرجة إنعام محمد علي هي التي اختارتهم، ومعظمهم من خريجي المعاهد الفنية..
وعدت أسأل سيدة الشاشة العربية:
• هل صحيح أن للمسلسل خلفية واقعية، يعني، هل أن شخصية ناظرة المدرسة المثالية «أبله حكمت» هي شخصية حقيقية، وليست من صنع خيال المؤلف؟
فأجابت:
- إن الذي عرفته هو أن المؤلف أسامة أنور عكاشة استوحى شخصية «أبله حكمت» من شخصية سيدة فاضلة كانت رئيسة لمدرسة، وكانت مثالية في تمسكها بالمبادئ والأخلاقيات التربوية، وخاضت معارك عنيفة انتصرت فيها، إلا أن انتصارها كان يهدد بخروج وزيرين من الحكومة، وهو ما أدى الى انسحابها من المدرسة، ثم كرّمتها الدولة بتعيينها عضوة في مجلس الشعب..ولكن قصة المسلسل تختلف عن قصة حياة هذه السيدة!.
وسألتها:
• مجلس الشعب الحالي؟
فأجابت:
- لأ.. كانت عضوة في مجلس سابق..
وسألت فاتن حمامة:
• وهل التقيت بهذه المديرة المثالية التي جسّدت أنت شخصيتها على الشاشة الصغيرة؟!.
فأجابت:
- أيوه، جلست معها أكثر من مرة، وتحادثت معها طويلاً..
قلت لها:
• ولكن، كان هناك اعتراض على «أبله حكمت» من بعض ناظرات ومديرات مدارس الطالبات!.
فسألتني ضاحكة:
- خير..
فأجبت:
• إن اكثرهن يقلن بأن مسؤولياتهن نحو طالباتهن تنحصر داخل المدرسة فقط، وهن لا يعالجن مشاكل طالباتهن خارج المدرسة كما فعلت «أبله حكمت»!.
وهنا قالت فاتن حمامة:
- يجوز أن هذا القول صحيح، ولكنني في المسلسل لا أصوّر الواقع تماماً، بل لا بد من أن يمتزج بتصور آخر لهذا الواقع، وربما كانت مسؤولية المديرة أو الناظرة نحو طالباتها لا تتجاوز سور المدرسة، وليس مطلوباً منها أن تذهب الى بيت أية طالبة لمعالجة مشاكلها، إلا أن هناك أشخاصاً يتحمسون من تلقاء أنفسهم لعمل الخير، أو التوفيق بين الناس!.
وسألتني فاتن حمامة:
• هل تذكر صديقتي المرحومة بيسة؟
فقلت:
- طبعاً، وكانت زوجة الممثل صلاح ذوالفقار وأم أولاده..
فأجابت:
- هي دي، إنها، رحمها الله، كانت من تلقاء نفسها، وبطبيعتها، تتحمس لخدمة الناس والمجتمع، فما من مشكلة سمعت عنها بين صديقتين لها إلا وتدخلت لحلها، وما من أحد طلب مساعدة منها على موضوع ما إلا وأضاعت وقتها في عملها له، إنها كانت «سوبر إنسانة»، بحيث أنها كانت تتطوّع للعمل العام بدون طلب من أحد، فانضمت الى جمعية «تحسين الصحة» وأدت لها خدمات جليلة، وعملت في مشاريع محو الأمية وغيرها!.
وقلت لسيدة الشاشة العربية:
• كان هناك تساؤل عند الكثير من المشاهدين المصريين هو: هل إن في مصر الكثير من المدارس التي تتساوى مع مدرسة: «نور المعارف» التي دارت فيها أحداث مسلسل «ضمير أبله حكمت»!.
فأجابت:
- إن المدرسة التي صُوّر فيها المسلسل في الإسكندرية رائعة، صحيح أنها ليست من مدارس وزارة التربية إلا أنها تتبع نفس مناهجها الدراسية.
قلت:
• بالمناسبة، إن الجمهور الذي كان يشاهد المسلسل، تمنى لو أنه شهد تفاصيل أكثر عن انتصارك على الرشيدي، الذي كان يمثّل دور والد النجمة صابرين، إحدى طالبات مدرسة «نور المعارف»!.
فابتسمت وقالت:
- كان طردي له من البيت بعدما جاء يسترضيني هو الإعلان عن انتصاري، أي انتصار «أبله حكمت» عليه، وما كان مقصوداً إبرازه في حكاية الرشيدي، هو أن هناك رجلاً غنياً ونافذاً لم يقدر عليه المحافظ، ولا من هو أهم منه، ولكن الذي أخضعه وأنزله الأرض هو رجل أغنى منه، بل وهو الذي يوفر له الثراء، وقد جاء وأنذره بألاّ يقترب من «أبله حكمت»، فكان أن انحنى وتراجع وظل نافذاً قرار طرد ابنته من كافة مدارس الجمهورية!.
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)