شارع النجوم / النجم المتعدد المواهب و.. الحكايات «11»
فنانون: سمير صبري
حوار بين محمد بديع سربيه وسمير صبري

النجم المتعدد المواهب و.. الحكايات «11»

كتب الراحل محمد بديع سربيه سنة 1990:
خطر لي وأنا أتجول في «نادي السيارات» على شاطىء «سيدي بشر» في الاسكندرية، وسمير صبري في اجازة دقائق يمارس خلالها جولة سباحة جديدة في «البيسين» أن القارىء قد يضيق بطول هذه الحلقات التي تحكي عن النجم المتعدد المواهب، ولكني سرعان ما ادركت بأن ما يُروى فيها ليس مجرد ذكريات سمير صبري، بل هي مجموعة حكايات تكشف أسراراً من الكواليس السينمائية، والتلفزيونية، والمسرحية، منذ بداية الستينات وحتى منتصف السبعينات.
وهكذا، بات عندي فضول لكي اسمع المزيد من حكايات سمير صبري عنه وعن الآخرين.
وقلت للنجم المتعدد المواهب:
معروف عن الأديب الراحل توفيق الحكيم أنه لم يكن يحب الأحاديث التلفزيونية، أو حتى الاذاعية، فكيف نجحت في اقتناص فقرة معه مسجلة، بالصوت والصورة، في «النادي الدولي»؟
«حاولت عدة مرات أن أسجل لتوفيق الحكيم، وذهبت إلى مكتبه بجريدة «الأهرام» وفي كل مرة كان يقول لي «ابداً»، واسأله: «ليه»؟، فيقول: «أنا صوتي وحش مش زي قلمي»، وحاولت أكثر من مرة أن أوضّح له أن الناس لا ينظرون إليه على أنه «مطرب» فالصوت اذن لا يهم، لكنه أصرّ!.
وكان لا بد أن أتصرف!
وفي ذلك الوقت كان الأديب الراحل يوسف السباعي هو وزير الثقافة والاعلام، فعرفت منه أنه سيحضر مع باقة من المفكرين والأدباء افتتاح فرن جديد بمصانع الحديد والصلب، وقال لي الوزير إن توفيق الحكيم سيحضر، فاتفقت معه على أن أحضر معي «الكاميرا» و«الميكروفون»، والا يخبر الحكيم بذلك، وكانت الجولة منظمة بحيث تبدأ من عند الفرن وتنتهي في استراحة نتناول فيها كلنا طعام الغداء.
وعلى إحدى الموائد الموضوع فوقها ورد، وضعت «الميكروفون» داخل الورد، ووجهته بحيث ينقل كلام توفيق الحكيم ويتمّ التسجيل، واتفقت مع الوزير يوسف السباعي على أن يتمّ جلوس الأديب الكبير امام هذه المائدة بالذات، أما «الكاميرا» فهي لم تكن مشكلة، فطوال جولته الكاميرا تصوّره من دون أن يسبّب له ذلك أية حساسية.
وسألت سمير صبري بفضول:
وبعدين؟
ومضى يروي ما حدث:
«أول ما الحكيم» رآني قال لي «أوعى يكون معك ميكروفون»، فقلت له: «أنت شايف الكاميرا أهي بتصور بدون الميكروفون» وانتهت الجولة، ودخل توفيق الحكيم مع وفد المفكرين والأدباء إلى الاستراحة، وكان من بين الحاضرين أيضاً الكاتب والشاعر الراحل عبد الرحمن الشرقاوي. والكاتب الصحفي أنيس منصور، والأديب الدكتور يوسف أدريس، والأديب ثروت أباظة..
وأشار الوزير يوسف السباعي إلى المائدة الموضوع فوقها الميكروفون وقال للحكيم: «اتفضل هنا يا توفيق بيه في الركن ده»، وأنا اتجهت لأقف في مواجهته، وقلت له: «أنت خايف من الميكروفون ليه؟»، فقال: «لأني لا أحب الميكروفون»، قلت: أنا فاهم أنك «عدو المرأة» لكن عرفت الآن إنك «عدو الميكروفون»، فقال لي: ايه رأيك بقى أنا مش عدو المرأة، وأنا طول عمري أحب المرأة وأقدّرها وافهم فيها. وبدأ يتكلم براحته، ليسألني فجأة: «ما فيش ميكروفون» قلت له: «لا»، فقال: «الكاميرا دي ايه؟»، فقلت له: «انت شايف في ايدي ميكروفون، قول اهو يبقى ذكرى بيني وبينك»!.
ومضت نصف ساعة وأنا «انكش» توفيق الحكيم، واسأله عن سبب تسميته بـ «عدو المرأة» وهل هو أكثر بخلا أم أن الموسيقار محمد عبد الوهاب ابخل منه. ومن حسن حظي أن تسجيل الصوت كان جيدا بالرغم من أن الميكروفون لم يكن قريباً!.
وفوجىء توفيق الحكيم وهو جالس في بيته برؤية نفسه على شاشة التلفزيون، وهو يتحدث أيضاً..
وقال الوزير للأديب الكبير:
معلهش يا استاذ توفيق، اصل الواد سمير صبري ضحك عليَّ، واذاع مقابلة معاك بدون علمي..
فرد عليه:
- طيب، خللي الولد سمير صبري يجي عندي!.
وذهبت إليه بعد أيام فقال لي:
- شوف، طول عمري ارفض الكلام في الميكروفون، وابعد عني الاذاعة والتلفزيون، وأنت الوحيد اللي خلتني انطق أمام الكاميرا..
ومن يومها «انفكت» عقدة توفيق الحكيم مع الميكروفون، وصار يوافق على اجراء المقابلات الاذاعية والتلفزيونية!.
وانتهى الكلام عن توفيق الحكيم.
وعدت بالنجم المتعدد المواهب إلى عالمه الذي يحبه، عالم الفن، وقلت له:
الذي اذكره أن «النادي الدولي» كان بمثابة نافذة أطل منها لأول مرة من اصبحوا اليوم نجوماً!.
فأجاب سمير صبري:
- ده صحيح، وهناك كثيرون اذكر منهم النجمة آثار الحكيم التي جاءت إلى إحدى حلقات البرنامج مع اثنتين من صديقاتها يعزفن في نادي «هليوبوليس» كهاويات، وكانت هي عازفة بيانو، وقد غضبت يومها لأنني شبهتها بالنجمة ميرفت أمين، وردت بعصبية أنا ما اشبهش أبداً!! وبعدما انتهى تسجيل المقابلة معها، سألتها: هل تحبين أن أجد لك عملاً مع إحدى الفرق الموسيقية التي تعزف في النوادي الليلية؟ فقالت معتذرة: ما اقدرش، لأن والدي يرفض أن اتأخر في العودة إلى البيت ليلاً، ولكن، وبعد عدة أسابيع عملت آثار الحكيم كمذيعة تقدم استعراضات نجوى فؤاد في النادي الليلي لفندق «شيراتون القاهرة» ثم أصبحت نجمة سينمائية..
سألته:
ومين كمان؟
فأجاب وهو يتذكر:
في إحدى المرات جاء إلى «النادي الدولي» الموسيقار محمد الموجي، وكان على خلاف مع رفيق عمره الفني العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، لأن العندليب كان يومها قد بدأ يحتضن الموسيقار بليغ حمدي، بعد أن وصفه بأنه «أمل مصر في الموسيقى» مما أثار زعل بقية ملحني أغاني عبد الحليم، وفي مقدمتهم محمد الموجي الذي كان معه عندما جاء إلى الاستديو شاباً يرتدي قميصاً وبنطلوناً، وقدّمه لي قائلاً: هذا هاني شاكر، وهو قريب الممثلتين امال وهدى زايد، وصوته جميل جدا، ولكن لا تدعه يغني اغنيات عبد الحليم حافظ فقلت له: ليه يا موجي؟ فقال: لأني مش عاوز يقلّد حد، وفعلا، اخذت هاني شاكر إلى المسؤول عن الملابس في التلفزيون، فالبسه بذلة سموكنغ مع «البابيون» واظهرته في برنامجي التلفزيوني وهو يغني ومحمد الموجي يعزف له على العود..
وتدور الايام، ويصبح هاني شاكر مطربا له قدر من الشهرة، وذات ليلة كان يغني في حفلة ساهرة في «النادي الليلي» لفندق «شيراتون القاهرة» وكنت هناك على مائدة واحدة مع عبد الحليم حافظ، وحاولت ان الفت نظر هاني شاكر إلى أن يقول كلمة ترحيب بالعندليب الأسمر، ولكنه «طنش» إلى أن انتهى من الغناء، ونزل عن المسرح، فسمع الساهرين يهتفون: عبد الحليم.. عبد الحليم، وعندئذ عاد هاني شاكر إلى المسرح وقال:
- طبعا احنا يسعدنا أن يكون معانا الأستاذ عبد الحليم حافظ، ويا ريت نسمع منه حاجة!.
وعندئذ قام العندليب من على مائدته، وامسك بالميكروفون وقال بذكاء ودهاء:
- احنا كلنا هنا عشان نسمع هاني شاكر، وانا شخصيا جاي عشان كده..
وهكذا استطاع عبد الحليم ان يكسب الناس بجملة واحدة..