شارع النجوم / متى تكتب فاتن حمامة مذكراتها؟!
فنانون: فاتن حمامة
محمد بديع سربيه في بيت فاتن حمامة في القاهرة

متى تكتب فاتن حمامة مذكراتها؟!

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1986:

عندما خرجت مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من قاعة الفن التشكيلي في مجمع الفنون بالزمالك، اكتشفنا أن الوقت الذي أمضيناه في القاعة قد ضاع كله في الحديث عن تمثالها البرونزي الذي صنعه لها الفنان التشكيلي عبد العزيز صعب، والذي سينقل الى بيتها بعد الإنتهاء من عرضه أمام الجمهور!.

وقالت لي فاتن حمامة:
• ما رأيك؟ ما زال الوقت مبكراً، ولم يحن بعد موعد أي سهرة لك، فهل تتناول الشاي عندي؟

قلت:
- هذه فرصة سعيدة جداً، وعلى الأقل أستطيع خلالها أن أعرف منك أخبارك الصحيحة؟

فابتسمت وقالت:
• اذن، تعال معي في سيارتي، ونبدأ الحديث ونحن في الطريق!.

وفعلاً، كنت مع سيدة الشاشة العربية في سيارتها، ولكن لمدة قصيرة لا تزيد عن دقائق معدودة، هي المسافة الفاصلة بين مجمع الفنون، وعمارة «ليبون» التي تقيم فيها سيدة الشاشة العربية منذ أكثر من عشرين سنة!.

وفي السيارة، قلت لها:
• اتهمتني بأني أهوى السهر غير المبكر، فهل أفهم من هذا أنك لا تحبين السهر!.

فأجابت:
- أنا طول عمري أحب النهار، وتستهويني الشمس، ولا أنام بعد الظهر، لأنني أشعر بأنني حرمت نفسي من وقت جميل، وحتى العمل أفضل أن يكون في ساعات النهار، وليس في الليل حيث لا أكون منفتحة الإحساس كما أنا في الصباح، أو الظهر، وحتى ساعة الغروب!.

قلت:
• والذي أعرفه عنك من أيام زمان أنك فعلاً لست من أهل السهر، وأنك أول من تنسحب من أي سهرة عندما تشعر بأنها سوف تطول كثيراً، اذن، فإن حالك مع السهر ما زال مستمراً!.

أجابت:
- أيوه، وأنا وزوجي من الذين يحبون النوم باكراً، لكي نصحو باكراً، ونبدأ يومنا من أوله، ولكن لا بد من سهرة مرة في الأسبوع، أو في المناسبات!.
وانتهى المشوار القصير بالسيارة.. وبعد لحظات كنت وفاتن حمامة في صالون بيتها الأنيق الذي أسبغت ذوقها الرفيع على ديكوره، وأثاثه، وألوانه، بحيث جعلته صالوناً مريحاً للعين، وللجالسين فيه أيضاً!.

وقلت لها:
• وهكذا، كل مرة أرى تجديداً في الصالون..

فابتسمت وقالت:
- أعمل ايه، أنا أمضي في بيتي ثلاثة أرباع أوقاتي، فلا أقل من أن أحاول أن أجعله جميلاً ومريحاً..

سألتها:
• وهل من تجديد مقبل فيه؟

أجابت:
- أيوه، أنا الآن أصمم ركناً ريفياً في الصالون، بحيث نحس ونحن نجلس فيه بأننا في.. قعدة فلاحي!

وأخشى أن نضيع عن الأخبار الصحيحة التي أنتظر سماعها منها، فأسألها:
• ما حقيقة الأخبار التي تقول بأنك سجلت قصة حياتك بصوتك في ثلاثين حلقة، وأنك ستصورينها فيما بعد للتلفزيون؟

فأجابت:
- غير معقول أن أتاجر بقصة حياتي وأجعلها عملاً فنياً، وربما سواي يروي هذه القصة نيابة عني من بعدي!

قلت:
• بعد عمر طويل، ولكن، ربما كنت تروين مذكراتك وليس قصة حياتك؟

أجابت:
- يعني، المذكرات كما أعرف، يكتبها من يتقدم به السن، أو يعتزل العمل ويعيش في الفراغ، وأنا لم أعتزل عملي السينمائي بعد، وبص شوف، هل تراني قد تقدمت في السن كثيراً..

وقلت:
• فشر؟؟ أنت، والحمد لله، شباب على طول!! ولكن، وما دمت تقولين بأنك لن تسجلي أو تصوري قصة حياتك، وأيضاً لن تكتبي مذكراتك، فهل ان كل ما قيل ونشر عن هذا الموضوع هو عار تماماً عن الحقيقة!.

فأجابت:
- يعني، تقدر تقول هناك أفكار، واقتراحات، وربما يكون البحث بيني وبين البعض قد دار حول رواية بعض من ذكرياتي في العالم السينمائي، ولكن أي شيء لم يتقرر، وبالتالي لا أعرف من أين تجيء مثل هذه الأخبار التي وصل بعضها الى حد التأكيد بأن الحلقات التي زعم أني سجلتها أو صورتها سوف تذاع في شهر رمضان الحالي، فتصور الى أين يصل الخيال، أو كيف تكون فبركة الأخبار!.

وأقول لسيدة الشاشة العربية وهي تصب فنجانين من الشاي لها ولي:
• اذن، أنت من رأيك أن لا تكتب النجمة السينمائية المشهورة مذكراتها؟

فردت قائلة:
- ممكن جداً أن تكتب إنسانة مثلي عاشت حياتها في العالم الفني عن تجاربها وخبرتها في مذكرات لها لكي تفيد الأجيال التي تجيء من بعدها، ولكن ذلك يتطلب مني أن أترك العمل وأتفرغ تماماً لكتابة المذكرات، وهو ما لم يخطر لي

على بال حتى الآن، وعلى أي حال فأنا لا أعارض فكرة المذكرات، ولكنني أشعر بأن الكلام عن تسجيل أو إنتاج قصة حياة فاتن حمامة فيه نوع من التجارة لا أحبه، بل وأرفضه تماماً..
وأسألها:
• ولكن، هل إن لديك نواة لمذكراتك، أي عناوين أو رؤوس أقلام مدونة في مفكرتك؟

- أجابت:
- أيوه، ولكن لا بد من أن يكون عندي، الوقت لأتذكر كل حكاية وقعت لي أو صادفتها، ومنها حكايات كانت عندما حصلت تعتبر قمة في الدراما، ولكن مجرد تذكرها الآن يثير الضحك!.

وقلت لها، وما زلنا نرتشف فنجاني الشاي اللذين جاءت بهما الشغالة السيريلانكية:
• بالمناسبة، أي مرحلة من حياتك الفنية أحببتها أكثر..

إن فاتن حمامة لا تحدد مرحلة معينة أحبتها.. ولكنها تعيش باستمرار مراحل تحس فيها بالسعادة، وهي التي تكون فيها داخل أي استديو سينمائي، تمثل فيلماً أمضت وقتاً كبيراً في تحضيره، ومناقشته، والإعداد له..
إن مرحلة ولادة الفيلم السينمائي الذي تمثله فاتن حمامة هو المرحلة الأهم عندها، وعبارة «أكشن» عندما يطلقها المخرج تطربها كأنها مقطع من إحدى أغنيات أم كلثوم، والإلفة الحميمة تحس بها وهي تعيش وسط أسرة الفيلم وكل منهم مهتم بعمله!.

على أن السعادة عند فاتن حمامة تبلغ الذروة عندما يعرض الفيلم، وترى إذا كان قد أعجب الجمهور أم لا، وحتى الآن، ومنذ أربعين سنة، فإن تسعة وتسعين بالمائة من أفلام فاتن حمامة انتزعت الإعجاب والتصفيق، ولم يقل الحماس الشعبي لسيدة الشاشة العربية ولا فترة لحظة منذ أن مثلت فيلمها الأول وهي في سن الصبا والمراهقة «ملاك الرحمة» وحتى فيلمها الأخير «ليلة القبض على فاطمة»!.
وآخذ رشفة من فنجان الشاي، وأتابع الحوار مع فاتن حمامة في صالونها الهادئ المريح!.

وأسأل فاتن حمامة:
• هل إن حماسك للعمل السينمائي، ما زال على حاله، وكما كان في السابق، وبعد أن مثلت أفلاماً يقدر عددها بأكثر من مائة!.

أجابت:
- حماسي للشغل زي ما هو، ما زلت كما كنت في السابق أحب أن أشترك في تحضير وإعداد كل مشهد من الفيلم، ولو أن دوري فيه جميل فإن أكبر متعة عندي هي أن أدرسه بعمق، وأعيش تفاصيله وأحاسيسه!.

وقلت لسيدة الشاشة العربية:
• عندما أدخل الى الأستديوهات السينمائية في مصر، وأرى خلوها من أسباب الراحة بالنسبة لأي من العاملين فيها، فإنني أتساءل: بأي مزاج يمكن أن تمثل فاتن حمامة في هذه الأستديوهات!.

وأجابت:
- عندما أكون وسط الديكورات الخاصة بالفيلم الذي أمثله، ومع ممثلي وممثلات الفيلم، وبالملابس التي يمثلون بها أدوارهم، وعندما أعيش في جو أحداث قصة الفيلم، فإنني أنسى تماماً ما هي عليه حال الأستديوهات، ولا أفكر في خلوها من وسائل الراحة، ولكن ما يحزنني فعلاً هو رداءة طبع وتحميض الأفلام في معامل الأستديوهات، مما يفقد الفيلم ثلاثة أرباع جماله، وبحيث يبدد جزءاً كبيراً من المجهود الذي بذل ليكون الفيلم راقي المستوى، وما يحزنني أكثر هو أن رداءة طبع الأفلام، تضاف اليها عندما تعرض في دور السينما رداءة ماكينات العرض!.
.. وكان قد تردد في كواليس الأستديوهات السينمائية أن المخرج يوسف شاهين كان قد عرض دور البطولة في فيلمه الجديد أولاً على فاتن حمامة، قبل أن يرشح لتمثيله المطربة الأوروبية داليدا، وأنها اعتذرت عن عدم تمثيله..