شارع النجوم / مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 9)
فنانون: فاتن حمامة
مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 9)

مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 9)

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1989:
وما كان يجري بيني وبين فاتن حمامة في صالونها الأنيق، البسيط هو أقرب الى الدردشة منه الى الحديث الصحفي...
• لم ألاحظ عليك في أية مرحلة أية اهتمامات سياسية..
فأجابت:
- في بداية حياتي الفنية، وأنا في سن الصبا كنت أجالس في سهرات اجتماعية كبار الصحفيين السياسيين مثل: مصطفى وعلي أمين، وإحسان عبد القدوس، وأحمد بهاء الدين، وجلال الحمامصي، وأفهم من خلال أحاديثهم التي كنت أسمعها وأنا صامتة كل الأحداث السياسية..
قلت:
• ولكن قبل ثورة 23 يوليو «تموز» 1952، وفي أيام الأحزاب لم يكن هناك بيت مصري يخلو من تيار حزبي، ترى ألم يكن في عائلتك من هو حزبي؟
فأجابت:
- والدي أحمد حمامة كان حزبياً، وكان من أنصار الحزب السعدي ورئيسه إبراهيم عبد الهادي، وكنت أشهد أحياناً في البيت المناقشات الحادة بينه وبين من يكونون من الوفديين في العائلة، ولكني منذ صغري كنت أرفض أن أكون حزبية، وكنت بيني وبين نفسي ثائرة على الأوضاع السياسية السائدة يومئذ، وأذكر أن ثورتي على الأحزاب زادت في إحدى السنوات، عندما كان شقيقي ما زال ضابطاً صغيراً في الشرطة، وتعرض هو وزملاؤه لإعتداء غادر من الجنود الإنكليز في الإسماعيلية، ويومها كان القلق يلف بيتنا على شقيقي، وفي اليوم التالي قرأنا في الصحف أنه في الوقت الذي وقع فيه الاعتداء على الضباط والجنود المصريين في الإسماعيلية كان رئيس الوزراء يومئذ يحضر مباراة في كرة القدم، دون اهتمام بما يحدث، إنني كنت يومها في الخامسة عشرة من عمري، وقد ثرت على ما رأيته وسمعته، ولهذا وعندما وقعت الثورة وأطاحت بالنظام الملكي كنت متحمسة لها، وحملت علمها ومشيت به في كل مكان..
قلت:
• بالمناسبة، هل كان والدك قاسياً عليك في فترة الصبا؟
فأجابت:
- لأ، والدي كان معقولاً، ولكن والدتي القوية الشخصية هي التي كانت أطال الله عمرها، تفرض عليَّ إرادتها سواء في الملابس، أو تسريحة الشعر أو الخروج..
سألتها:
• هل هي تركية؟
أجابت:
-لأ، ولكن قد يكون فيها «عرق» تركي، إسمها زينب وهي من عائلة توفيق، أما والدي فهو من «السنبلاوين» وقد علّمه والده الفلاح، فوصل إلى أن يكون مدرّس رياضيات، ثم سكرتيراً لمدرسة..
قلت:
• ولكن، هل كان والداك متحمسين لعملك كممثلة؟
فأجابت:
- فرحوا بي كممثلة لأنني ابتدأت من سن الطفولة، ولكن، وعندما كبرت، أصبحت والدتي قاسية عليَّ، وصارمة جداً في أوامرها، حتى أنها كانت تمنعني من أن أجلس لوحدي مع صديقاتي، حتى لا أتأثر بأفكارهن، وأنا الآن، وعندما أرى بشاعة ما يحدث للبنات، والأولاد عموماً، أقول بأن والدتي محقة في قسوتها عليَّ..
• وهل أنت وحيدة والديك؟
فأجابت:
- لا، لي شقيقة هي ليلى، وأربعة اشقاء..
قلت:
• ألم يستهو الفن أحداً منهم؟
فأجابت:
- أبداً..أبداً..
وقلت لها:
• وكانت الموضة أيام زمان أن تجيء النجمة الى الاستديوهات في حراسة والدتها، ولكن أحداً لم ير السيدة والدتك معك في أي يوم؟
وردت فاتن حمامة:
- كان والدي هو الذي يذهب معي الى الاستديوهات أو مكاتب الشركات، وأحياناً كان ينوب عنه شقيقي الأكبر منير، الذي كان ضابطاً، وكانت والدتي تذهب معي أحياناً، لكن هذه الحراسة لم تستمر، بل زالت عني منذ ان أكملت سن السادسة عشرة..

■ أمنية عبد الوهاب

وكان الصالون الذي نجلس فيه يلفه الهدوء..
وفاتن حمامة كانت هادئة أكثر منه.. أنها عندما تتحدث لا تنفعل ولا تتصنع، ولا تخرج الكلمات من شفتيها فقط، بل من قلبها..
ولأنها كانت ناعمة وهادئة فقد وجدت أن أسئلتي لها بدون أن أقصد، هي على قدر من الهدوء والنعومة، والبعد عن الإثارة..
وعدت أقول لها:
• في منتصف الستينات، نقلت إقامتك من القاهرة إلى لندن وباريس، وبدا أنك في وارد اعتزال التمثيل، فهل كان ذلك صحيحاً؟
وأجابت النجمة الكبيرة:
- يومها، شعرت بأنني مثّلت ما فيه الكفاية من الأفلام، وكان عدد ما مثلته قد وصل إلى تسعين فيلماً فأردت بعد نجاح فيلمي «الاعتراف» و«الحرام» أن اعتزل الأضواء والتفرغ لأولادي، وهذا ما حصل فعلاً، وأنا عندما عدت إلى التمثيل في السبعينات، وفي فيلم «الخيط الرفيع» اعتبرت نفسي مجرد هاوية، ولست ممثلة محترفة وما زلت هكذا حتى الآن.
قلت:
• هل أفهم أن الملل كان وراء قرار اعتزالك التمثيل والسفر الى أوروبا..
فابتسمت وقالت:
- وأسباب أخرى.. بلاش نتكلم فيها..
وأحترم رغبة فاتن حمامة، وأعود لأسألها:
• أنت الممثلة الوحيدة التي كان لها أفلام جمعتها مع ثلاثة من عمالقة الغناء العرب: محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، فما الذي تذكرينه عنهم..
فابتسمت وقالت:
- الأستاذ محمد عبد الوهاب مثّلت معه في فيلمين وأنا صغيرة، وكنت بعفوية طفولية أتضايق منه، لأنه كان يضحك عليَّ كلما تكلمت أو تحركت، ولذلك طلبت من مخرج الفيلم أن يغيّره بممثل آخر، وصداقتي ما زالت مستمرة حتى الآن مع الأستاذ عبد الوهاب، وزوجته السيدة نهلة، وقد قال لي يوماً إن من سوء حظه أنني كنت طفلة في السنوات التي كان هو يمثّل فيها أفلامه، وكان يتمنى أن أمثل معه وأنا كبيرة..
وقالت أيضاّ:
- فريد الأطرش كان طيب القلب وصديقاً حقيقياً، وكذلك عبد الحليم حافظ الذي كان بالنسبة لي كأنه أحد أفراد عائلتي..
قلت لها:
• ابنتك نادية ذو الفقار الآن متزوجة من رجل الأعمال حامد محمود، وأنجبت من زواج سابق ابنتها فاتن، وابنك طارق عمر الشريف طلّق زوجته الكندية ويقيم في «مونتريال» بعد أن أنجب منها ابنه عمر، الذي بلغ الآن الخامسة من عمره..
فابتسمت وأجابت:
- معلومات صحيحة قوي..
قلت:
• ولكن لم يتحمس أي منهما للعمل الفني كما تحمست أنت؟
فأجابت:
- نادية أحبت أن تمثّل، ولكن الحياة الفنية لم ترق لها، وطارق عنده نوع من الكبرياء يجعله يتجنب أن يشتهر كثيراً، ثم يهبط كثيراً، لأنه يفضل الحياة الطبيعية، لا المليئة بالقلق والخوف والترقب..
تعيش كزوجة..
وأسأل فاتن حمامة:
• هل تعيشين الآن كنجمة؟
فأجابت والبسمة الناعمة على وجهها:
- عندما لا أكون في حالة عمل، أي تمثيل فيلم سينمائي فإنني أعيش حياتي بصورة طبيعية، يعني أعيش كزوجة وست بيت وأم وحتّى حالة العمل أحاول أن أوجهها إلى الشكل الذي لا تؤثر فيه على حياتي العادية..
قلت:
• وما هي حياتك العادية؟
- أصحو من النوم في الساعة التاسعة صباحاً، ويذهب زوجي الدكتور محمد عبد الوهاب الى عمله في الساعة الحادية عشرة، وأبقى لوحدي في البيت، أشرف على أعماله، أو أقرأ سيناريو، وأحياناً أستقبل من يطلبون مواعيد مني، صحفيين أو سينمائيين، ما بين الساعة الثانية عشرة ظهراً، والثالثة بعد الظهر، وأتناول الغداء مع زوجي، وفي عطلة الأسبوع «الويك إند» نذهب معاً إما الى «المعمورة» أو «البحر الأحمر» أو «العريش»..
وأسألها:
• والسهر؟
أجابت:
- أنا وزوجي نقضي أغلب سهراتنا في البيت، وننام في الحادية عشرة والنصف ليلاً، وإذا ما كان هناك سهرة خارج البيت فإنها تكون على عشاء هادئ لا يطول إلى اكثر من الساعة الواحدة، ولكنني لا أمانع في أن نحضر سهرة طرب بين الحين والآخر..
قلت:
• كثيرات من السيدات المتزوجات من أطباء يشكون من صعوبة الحياة معهم، لأن التليفون كثيراً ما ينتزع الأزواج منهن؟
وردت فاتن حمامة ضاحكة وقائلة:
- بس أنا جوزي شكل تاني، هوطبيب أشعة، ولا حالات طارئة، سوى نادراً، تستدعي أن يخرج من بيته ليلاً، ثم إنه رجل اعتاد أن يكون لعمله ساعات محددة وبعدها يعيش لنفسه..
وقلت لها:
• أسمع من الجنس اللطيف دائماً شكوى منك.
فسألتني باهتمام:
- خير انشاء الله..
فأجبت:
إنهن يقلن لي:
• نحن نحب أناقة مدام فاتن وشياكتها فلماذا تحرمنا من رؤيتهما في أفلامها، فلا تمثل الا أدوار الفلاحة، كما حدث أخيراً في فيلم « يوم مر يوم حلو»؟
وانفرجت أساريرها وقالت:
- لأنني في أفلامي أريد أن أبرز ما في الدنيا من مشاكل مأساوية لا تعاني منها بنات نادي الجزيرة؟ أو سيدات الصالونات الراقية، وأريد أن ألفت النظر إلى هذه المشاكل، وأقول إن هناك طبقة تعيش في ظل الحرمان الذي لا يوصف.
وقلت لسيدة الشاشة العربية:
• رأيتك في أحد مشاهد فيلم «لحن الخلود» ووالدك الممثل سراج منير، يطلب منك أن ترقصي فترفضين بخجل شديد، ثم ترقصين، رغماً عنك بما أوحى الي بأن رقص بنت العائلة في تلك الأيام كان عيباً، فهل ترين الآن عشرات من بنات العائلات وهن يرقصن في أي فرح، أو سهرة..