شيريهان …ولدت أكثر من مرة
وهج نجوميتها لم ينطفئ لتسترجعه بدقائق معدودة، بل هي بلحظات اعادت الجمهور إلى ليالي الفوازير الحلوة ، لتثبت بأنه رغم سنين البعاد ما زالت محبوبة الجماهير ودانة الشاشة. شريهان نجمة غيرعادية ، حياتها غير عادية ، بريقها غيرعادي وأحزانها غيرعادية.
عرفتها عن قرب بسبب صداقتها لوالدي بديع سربيه، لم تكن علاقتهما علاقة صحفي ونجمة بل امتدت إلى صداقة ومحبة واحترام مع اسرتها حتى قبل أن تولد، اعتبرها واحدة من بناته وهي أيضا كانت تقدر قلمه وأخلاقه المهنية وحتى بعد رحيله استمرت صداقتي بشيريهان حتى إني اذكرأنها قالت لي انه علينا نحن بناته ان نتحمل مسؤولية استمرار مجلة الموعد بعد رحيله وقالت:"حتى لو في خبرعني يعتبر سبق صحفي انشريه دون أن تخبريني المهم نجاح الموعد الدائم".
كثيرا ما كانت تزور شريهان بيروت وفي كل مرة كنا نلتقي وتخصني بحديث صحفي لقراءالموعد كانت تتحدث لجمهورها بعفوية وكانت واثقة من أني سأنقل كلامها بكل أمانة دون اضافة توابل وبهارات الإثارة ، كانت جلساتنا جلسات أسرية ، حتى أنه في كل مرة كنت أجري حديثا صحفيا لها كانت تطلب مني عدم وجود مصور محترف وكانت تقول لي :"احضري كاميرتك ونتصور" وكنت أقول لها "أنا ماليش في التصوير" فكانت تقول "ولا يهمك حناخد صور كتير و أكيد حيطلع منها حاجة" وبالفعل هذا ما كان يحدث كل مرة، وكانت تستحمل أن أصورها كثيرا بلا إضاءة أستديو ولا كاميرات محترفة ولا روتوش ولا فيلتر وكانت الصور تحكي عن نفسها بأنها صورعفوية وطبيعيه وتزين صفحات "الموعد".
شريهان ولدت أكثر من مرة ، من رحم الأحزان والانكسارات والتحديات كانت تبدع عالما من الأمل ، في كل مرة تذوقت فيها مرارة الأيام. في طفولتها كانت قضية نسبها لوالدها أول صفحة حزن تفتحها في حياتها، ثم كانت فاجعة موت أخيها غير الشقيق عازف الغيتار الراحل عمر خورشيد وكان مثلها الأعلى وسندها، وفي عز انطلاقتها الفنية فقدت شريهان نبع الحنان فقدت والدتها ،وكان عليها أن تكمل المشوار وتتجاوز صعوبات الفراق.
عام ١٩٨٩ وفي عز نجوميتها تعرضت شيريهان لحادث سير على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي أدى إلى تكسير في عمودها الفقري وبدأ من هنا معها مشوار العذاب والعلاج والجراحات المتعددة لزرع مسامير في ظهرها لتثبيت فقرات الظهر، وإضطرت أن ترتدي لفترة طويلة بعدها قميصا من الجبس لحماية ظهرها كان يسبب لها الضيق المستمر ، ومع دموع الالم والوجع لم ترحمها الإشاعات ، وبعض الأقلام الصحفية كانت قاسية عليها هاجمتها بعنف وكان على شريهان وهي تحارب المرض لاستعادة حياتها، كان عليها الحفاظ على معنوياتها من السهام الهدامة القاتلة معنويا، و رغم ذلك اذكر أنها كانت وهي على فراش المرض تخطط لحياتها لو لم تسطع المشي أوحتى استعادة قدرتها وليونتها للقيام بفوازير رمضان حتى، انها عند وصولها إلى مستشفى Pitié Salpêtrière، أحضرت شرائط فيديو الفوازير ليعرف طبيبها روا كامو بأنها فنانة استعراضية و بأن حياتها متوقفة على استعادة مهنتها من جديد ، و أذكر أنني زرتها مع والدي بعد ما عادت من رحلتها العلاجية في باريس وكانت في الإسكندرية وكانت لا تزال ترتدي القميص الواقي لظهرها وكان حديثها من القلب للقلب…هكذا هي واثقة من نفسها ومن حب جمهورها لها، وتتوالى الأيام والتحديات.
حتى في دراستها للحقوق التي اختارتها لتحتذي بوالدها الذي كان مرجعا قانونيا ، عملها وأحداث حياتها، جعل مدة دراستها تطول ، ومع استعادة صحتها وعودتها للفن كانت زيجتها الأولى التي باءت بالفشل وكان الطلاق ثم خاضت تجربة الزواج مرة أخرى من علاء الخواجة الذي كان زوج الفنانة إسعاد يونس وعادت السهام تجرح فيها من جديد وربما كانت أول فرحة حقيقية في حياتها هي ولادة ابنتها لولوة ومع الأمومة فتحت شيريهان نافذة من الأمل بأن الحياة ستهاندها من جديد ، ولكن وقعت من جديد في قبضة الأمواج العاتية وهاجمها المرض بشراسه ودخلت من جديد في دوامة العزاب وطالت فترة العلاج ولكن شيريهان لا تتقن لغة أليأس، بعد سنوات من الصراع مع المرض منيت بالشفاء، وفي رحلة مرضها اكتشفت قلوبا أحبتها وكانت ضرتها الفنانة إسعاد قد ساندتها في فترة محنتها وولدت بينهما صداقة ومحبة، وكان الحدث السعيد في حياتها عندما انجبت ابنتها الثانية تالية القرآن رغم تحذير الأطباء ولكن شريهان أزاحت عن جبينها خصلات القنوط وعادت تحمل لقب أم مرة ثانية، وظلت بعيدة عن الناس إلى أن رأها الجمهور في ميدان التحرير تعبر عن أرائها كمواطنة. وفي احتفالية في القاهرة أعلنت شيريهان منذ عدة سنوات عن عودتها للفن من خلال مسرحية كوكو شانيل التي لم تعرض حتى الآن .
وكما كان الملايين من جمهورها يتحلق حول الشاشات في رمضان ليتابعها في فوازير ألف ليلة وفوازير حول العالم وحاجات ومحتاجات جلس الملايين هذا الشهر ليتابعوا شيريهان في اعلان ترويجي ولكنه كان اختصارا لمشوار حياتها بالشكل الذي تحبه وهو الاستعراض ،دقائق معدودة أقصت فيها كل معاني الانكسار و زرعت البهجة وأضاءت واحة من شموع الفرح فارجعت الزمن الجميل ولو للحظات وحمل جمهورها لها بطاقات الشوق وهدايا المحبة ترحيبابعودتها بعدما طال غيابها ، ولتولد شيريهان كنجمة من جديد. حبيبتي شيري عيشي حياتك من جديد وأنعمي بها استحقيت كل دقيقة فرح ، وكل نبضة حب قدمها لك جمهورك وشكرا لكل لحظات السعادة التي نثرتها على الملايين من محبيك.
مي سربيه شهاب