من القلب / وصية صباح... افرحوا
فنانون : مي سربيه شهاب , صباح
مي محمد بديع سربيه في بيت الفنانة الكبيرة صباح عندما كانت تصوّر غلاف مجلة «الموعد» بمناسبة مرور خمسين عاماً على صدورها

وصية صباح... افرحوا

تعود علاقتي بالفنانة الكبيرة الراحلة صباح إلى يوم ولادتي فكانت أول من زار أهلي في المستشفى للتهنئة, ومن يومها نمت علاقة محبة وصداقة بيني وبينها, ورثتها من المحبة التي تربط الصبوحة بوالدي محمد بديع سربيه ووالدتي, كان والدي صحفياً شاباً مبتدئاً عندما بدأت الصبوحة حياة الفن و أذكر أن الصبوحة ووالدي أخبراني بقصة ولادة صداقتهما كان والدي يتحضّر للسفر الى القاهرة لاجراء أحاديث صحفية مع عدد من النجوم وعندما علمت والدة صباح بسفره حمّلته رسالة إلى صباح ومن يومها ولدت صداقة يشهد الوسط الفني كله بتميّزها عبر سنين طويلة, ومن بعد وفاة والدي منذ عشرين عاماً كانت الشحرورة دائماً معنا في مناسباتنا السعيدة في أتراحنا، كانت فرداً من افراد الأسرة.

في أعياد ميلادها كانت تطلب أن نكون جالسين إلى جانبها لأنها كانت تقول: أسرة بديع سربيه هم أصدقاء العمر ومن منطلق هذه الصداقة استطعت أن أتعرّف إلى صباح عن قرب, أن أعرف شخصيتها وأن أتلمس الكثير من همومها وأحزانها كانت صاحبة قلب طيب وكريمة النفس, حتى أنني أعرف أنها كانت تساعد مادياً فنانين غدرت بهم الأيام في أوقات هي أيضاً كانت تعاني فيها أزمات..

كانت صورة صباح هي على غلاف العدد الأول الذي صدر من مجلة «الموعد» في 1-1-1953 وكانت أيضاً على غلاف العدد الذي صدر في عيد «الموعد» الخمسين, وكانت دائماً تزيّن أغلفة وصفحات «الموعد» وتخصنا بصور وأخبار لننفرد بها.

أجريت مع صباح عشرات الأحاديث الصحفية المسجّلة التي نشرتها في «الموعد» وكانت تخبرني بهمومها ومخاوفها، كانت تخاف على مكانتها وصورتها الفنيتين وكانت تريد أن تؤمّن ولديها هويدا والدكتور صباح مادياً حتى أنها باعت بيتها وسكنت في فندق حتى تضمن لهويدا ميراثها وكتبت البيت الثاني الذي كانت تملكه في عمارتها في الحازمية لابنها الدكتور صباح (والبيت اليوم مؤجر من السيدة مي عريضة الرئيسة السابقة لمهرجانات بعلبك).

ورغم أنها كانت عنوان الفرح والتفاؤل إلا أن صباح في حياتها تعرضت لأحزان كثيرة من قسوة والدها ومقتل والدتها لصدمات وخيانات في حياتها العاطفية، لبعد ابنها صباح عنها, حتى تعرّضت لصعوبات وأزمات في حياتها المهنية من قرار مقاطعتها ومنع دخولها لبعض الدول الى غيرها من الأزمات التي تجاوزتها كلها بابتسامة، بحب، لأن قلب صباح لم يعرف إلا الحب، لم يعرف يوماً الحقد والكراهية كانت تنسى الإساءة لتبقى تحمل في قلبها فقط الذكريات الحلوة...

في أحد حواراتي سألتها عن وصيتها فقالت أريد يوم موتي ودفني ألاّ يحزن أحد وألاّ يبكي أحد بل أريد أن تذاع أغنياتي في كل لبنان وأن يرقص الناس الدبكة فأنا عشت حياتي واكتفيت ولاأعرف لماذا حتى الآن لم يكتب لي الله الرحيل فأنا أريد الذهاب الى حيث يوجد من أحبهم والذين سبقوني إلى هناك..

لم تكن صباح متعلقة الى درجة كبيرة بالحياة حتى أنها كل مرة كانت تقرأ وتسمع خبر وفاتها كانت تقول: لماذا يستكثرون عليّ الحياة، لماذا وجودي في الحياة يضايق البعض إن الله كتب لي عمري وهو الذي يحدّد ساعة الرحيل. وهكذا رحلت صباح عن عمر يناهز الـ 87 عاماً وعن المشككين بعمرها والذين يقولون أنه التسعين أقول: إن الفنان سمير صبري وضمن برنامج وثائقي ذهب إلى بدادون وراجع السجلات القديمة للكنيسة وقرأ أنه تمت عمادة صباح عام 1927 أي أن صباح رحلت عن عمر ناهز 87 عاماً بعد أيام قليلة من عيد ميلادها في العاشر من تشرين الثاني «نوفمبر».

يوم عيد ميلادها اتصلت بصديقها مزين الشعر جوزيف غريب لأطمئن على أحوالها وأهنئها بعيد ميلادها ولأحدد يوماً لألقاها في فندق برازيليا الذي تقيم فيه في منطقة الحازمية حيث تستضيفها إدارة الفندق منذ سنوات، فقال لي: إنها كانت تعاني من نزلة صدرية فتواعدنا على اللقاء ما إن تتحسن صحتها, وسافر جوزيف ورحلت صباح...
تعتبر «صباح» أحد أعمدة لبنان الفنية وفنانة كبيرة أحبها كل الشعب العربي وكان هناك حالة عشق بينها وبين مصر وجمهورها, في ظل هذه الأيام السوداء تتركنا صباح لنودّع معها أسطورة الفرح وسيدة الفن الأصيل.
وكانت وصية صباح لجمهورها: إفرحوا.. إفرحوا.. إفرحوا..