أطول حديث مع عمر الشريف (الجزء الثامن عشر)
ويتابع النجم الراحل عمر الشريف حديثه مع "الموعد" الذي أجراه عام 1978...
هل تعب عمر الشريف من الشهرة؟
سؤال لم أطرحه عليه في حديثي الطويل معه، وانما طرحته على نفسي وأنا أشاهده مجرداً من كل المظاهر التي يتمسك بها صغار النجوم.
ان النجم الشهير الذي يدوّي اسمه العربي في جوانب الكرة الأرضية كان لوحده، بلا حاشية، ولا سكرتير، ولا مساعد..
وهو بنفسه يرد على التلفونات التي تنهال على جناحه في الفندق ويفاجئ الذين يسألون عنه بالقول انه عمر الشريف، بدلاً من أن يقول لهم انه سكرتيره، كما يفعل عادة كل النجوم من المشاهير عندما يسمعون اسماً لايعرفونه يسأل عنهم..
أكثر من هذا، ان التلفون رن في غرفة النجم الشهير بالخطأ وكان المتكلم يريد غرفة أخرى ومع ذلك، فان عمر الشريف لم يغلق السماعة لأن الأمر لا يعنيه، وإما ظل يضغط على جهاز التلفون، لكي يكلم سنترال الفندق، ويطلب إليه أن يصلح خطأه، ويوصل المتكلم بالغرفة التي طلبها.. في منتهى التواضع، بل لست أبالغ إذا قلت انه من أكثر مشاهير الشاشة السينمائية تواضعاً، وبساطة، وصراحة أيضاً..
وأريد أن أعرف أين هو الآن؟! في أي موقع؟! كيف يفكر، ما هي رؤياه المستقبلية؟!
· بعد عشرين عاماً وأكثر من الشهرة، والمجد، والأضواء.. أي شيء تشعر به ما زال ينقصك؟!
يجيب:
- ما ينقصني هو الحياة العائلية، ان أكبر أمنية شخصية لي في الوقت الحاضر هي أن أتزوج وأنجب بنتاً أداعبها، وألاعبها، وأسعد ببكائها وضحكاتها،ولا تتصوري أي شوق ينتابني عندما أرى أي بنت صغيرة الآن وأتمنى أن تكون لي مثلها.. ان حبي لكل طفلة لا يفوقه أي حب، وهذا هو السبب الذي يجعلني كلما جئت إلى القاهرة أتصل فوراً بسكرتيرتي نادية ذوالفقار وأطلب إليها أن تحضر لي ابنتها فاتن الصغيرة، لأسعد برؤيتها..
· إذاً كانت أمنيتك الكبرى الآن هي الزواج، فأنا أتصوّر انه من أسهل الأمور عليك أن تحقّق هذه الأمنية؟!
ويهزّ عمر الشريف برأسه ويقول:
- ليس الأمر بهذه السهولة، فأنا لكي أتزوج فلا بد من أن أصادف أولاً من أحبها، لأنني أريد أن يكون زواجي نتيجة للحب، وليس بدافع الحاجة..
وقلت:
· ربما كنت أنت خبيراً في النساء ولكن.. هل تظن انه من اليسر على المرأة أن تفهمك؟
فيرد بصراحة:
- ان رأيي هو أن الناس عموماً من الصعب أن تفهم بعضها البعض، وان كان هذا الفهم ضرورياً من أجل استقامة العلاقات الإنسانية، أما بالنسبة إليّ فأنا على يقين من صعوبة فهم المرأة لي، فأنا لم أعد صغيراً في السن، ولا بد للمرأة، لكي تأتلف معي، وإذا كان هناك من حب بيني وبينها، من أن تفهم أن لي عادات معينة، وأن أسلوب حياتي لا يمكن لي تغييره بعد أن كبرت في السن، يعني، ليس على المرأة أن تنتظر مني الآن أن أتكيّف معها، بل هي التي لا بد لها من أن تتكيّف معي..
وأسأله:
· هل يمكن القول – مثلاً – بأن عاداتك كرجل شرقي قد تغيّرت بعد أن عشت في المجتمع الأوروبي وأصبحت من نجومه..
أجاب:
- يجوز أن يكون المجتمع الأوروبي الذي عشت فيه طوال هذه السنين، قد أثّر عليّ، لكن هذا التأثير كان وما زال سطحياً ولم يصل إلى أعماقي والدليل على ذلك أنني في عام 1975 عدت إلى مصر بعد أن كنت قد غبت عنها ما يقارب الاثنتي عشرة سنة متوالية، فاندمجت على طول في أجوائها ومجتمعاتها، والتقيت أصدقاء لي لم أرهم منذ زمن طويل، بصورة عادية طبيعية، ولكن هذا لا ينفي أن في بلادي أشياء لم أعد قادراً على أن أتعوّد عليها من جديد..
وأعود وأسأله:
· مثلاً؟؟!
يقول:
- مثلاً، بل أهم شيء، عدم استطاعة معدتي تحمل المأكولات الشرقية الدسمة، التي كنت وما أزال أحبها، ولكن لم أعد قادراً على هضمها بعدما تعودت على المآكل الخفيفة في أوروبا، وبالفعل، فالذي يحدث لي كلما جئت إلى مصر هو أن أفاجأ بدعوات متوالية من الأصدقاء إلى موائد عشاء أو غداء، وفي كل هذه الولائم تفرش أمامي الأطباق التي تحتوي على المآكل الشهية والمغرية التي لا أستطيع المقاومة عند رؤيتي لها، فأقبل على التهامها، وهكذا، وعندما أعود إلى باريس، أعاني الكثير من العذاب لأنقص وزني، وأتخلص من آثار الغارات التي كنت أشنها على الموائد المصرية..
ولكن:
· ما دمت تخشى على وزنك من هذه المأكولات الدسمة، أفلا تستطيع أن تبتعد تماماً عن الموائد التي تحتويها؟!
ويقول:
- المشكلة أن الأكل الشرقي كله يتميز بالدسامة، والمشكلة الآن هي أنني أحبه واشتهيه.. فعلى سبيل المثال، أنا أحب الفول المصري، وهو طبعاً غير موجود في أوروبا إلا في مطاعم قليلة ومعينة، أذهب أنا إليها، وعندما جئت إلى القاهرة هذا العام، عاهدت نفسي منذ وصولي على عدم تناول لقمة واحدة من الفول الذي يجثم على معدتي كالطوب الثقيل، وكان معي في زيارتي لمصر اثنان من رجال الأعمال الأميركيين، هم مثل كل الأميركان يتلذذون جداً بالتهام الفول عندما يحضرون إلى مصر، وفي صباح أحد الأيام، نزلت أنا والصديقان الأميركيان إلى مطعم الفندق لتناول افطار الصباح، وطلب كل منهما طبقاً كبيراً من الفول، وتمالكت أنا نفسي، فاكتفيت أن أطلب فنجان شاي مع قطعة من العيش، ولكن.. وعندما رأيت الصديقين يلتهمان الفول اللذيذ، انفتحت شهيتي بشدة، فمددت يدي وأخذت لقمة من الطبق، ثم لقمة ثانية، وثالثة، فطلبت لنفسي طبقاً خاصاً التهمته حتى آخره، ثم وبعد اللذة جاء العذاب.. وبقيت أكثر من ثلاثة أيام وأنا شبه مريض!
وأقول لعمر الشريف مازحة:
· ومع ذلك فهناك طبائع شرقية ما زالت تلازمك ولكن لا تعذبك.. كالرقص الشرقي، الذي أراك تهواه كثيراً، وقد رأيتك مرة تشارك فيفي عبده في رقصتها في أحد الملاهي.
فضحك وأجاب:
فعلا، أنا أحب الرقص الشرقي مثل أكثر أبناء بلدي المصريين، وربما أكون أحبه أكثر لأنني أعيش في أوروبا حيث لا أرى هذا النوع من الرقص، ولهذا فأنا عندما أشاهد الرقص الشرقي اتحمس له، ويدفعني هذا الحماس أحياناً إلى ابداء الاعجاب بالرقصة أو الراقصة بطريقة علنية.
و"موعدي" معه في الحلقة المقبلة والاخيرة.