أطول حديث مع عمر الشريف (الجزء الخامس)
لو لم أشتهر عالمياً لعدت إلى السينما المصرية..
شعرت بالرهبة عندما وقفت لأمثّل أمام انغريد برغمان
رفضت باصرار التخلي عن جنسيتي المصرية.. واستبدالها بغيرها!
الممثل السينمائي يتحوّل إلى التلفزيون عندما تنضب شهرته
بدأت أملّ الشهرة وأضيق بالثمن الذي أدفعه لها..
وتتوالى اعترافات عمر الشريف في الحديث الذي أدلى به لـ «الموعد» عام 1978 وبالرغم من أن أكثر من سؤال من التي وجهت إليه كان قد خُيّل إليّ كانت أسئلة محرجة، إلا أن المفاجأة دائماً هي أنه لم يحاول التهرب من الإجابة عليها.. لنقرأ الحوار..
• عندما ذهبت إلى صحراء الأردن لتمثّل دوراً في فيلم «لورانس العرب» هل كنت تتوقع أن تسير بخطى سريعة نحو الشهرة العالمية..؟
ويردّ:
- أنا كنت أتمنى أن أشتهر عالمياً ولكنني لم أكن متأكداً من أنني سوف أصل إليها عن طريق «لورانس» خصوصاً وأن اتفاقي المبدئي مع المنتج سام سبيغل، مندوب شركة «كولومبيا» كان على أساس أن أمثّل الدور الثاني في الفيلم، أي دور «الشريف علي».. وصحيح أن هذا الدور هو من الأدوار الرئيسية في الفيلم، وأن الاختيار وقع عليّ لتمثيله باعتبار أنني ممثل عربي على قدر من الشهرة، وأجيد التمثيل بلغة أجنبية سليمة، إلا أنني مع ذلك كنت آمل بأن أجد لنفسي مكانة في السينما العالمية.. لأنها كانت تبهرني من بعيد، بل هي الحلم الأكبر بالنسبة لكل ممثل في بلادي..
• لو أنك بعد تجربة «لورانس» لم تحقّق الشهرة العالمية، فهل كنت ستعود إلى السينما المصرية؟
ويجيب:
- طبعاً، إنني أحب التمثيل حباً بلا حدود، ولا أستطيع أن أتصور أنني سأمارس مهنة سواه.. ولو أنني لم انطلق إلى السينما العالمية بعد «لورانس» لكنت سأعود حتماً إلى قواعدي في السينما المصرية التي عشت في أجوائها ثماني سنوات.. وإن كان سيسعدني حتماً أنني قمت بدور في فيلم عالمي، وهذا ما كان سيميزني عن باقي نجوم الشاشة المصرية في تلك الأيام..
• ومتى بدأ الأمل يراودك بالنجاح عالمياً؟
ويقول:
- الأمل في بادئ الأمر بدأ يراودني بالنجاح، وليس بالشهرة.. وكان ذلك عندما سافرت إلى صحراء الأردن حيث أقيم معسكر كبير لأسرة فيلم «لورانس العرب».. فعندما نزلت من الطائرة الصغيرة التي أقلتني إلى عمق الصحراء، ارتفعت الكلفة فوراً بيني وبين المخرج ديفيد لين، وهو الذي اختار لي أن أظهر بالشنب.. ثم أجرى لي تجربة تصوير وأرسلها إلى هوليوود، وجاءت الموافقة من هناك على أن أمثّل دور «الشريف علي».. وكان ذلك بداية جعلتني أتحمل الحياة في عمق الصحراء طوال عامين، حيث لا لهو ولا نساء ولا مجتمع.. فقد ليال نقضيها في الخيام لنلعب الورق، أو نستمع إلى الموسيقى، ولم يكن يخفّف علي من وطأة الحياة هذه سوى رحلات خاطفة إلى بيروت لا تستمر كل منها أكثر من يومين.. ثم نعود.. وكان رفيقي الدائم في هذه الرحلات زميلي الممثل بيتر أوتول..
وأسأله:
• عندما فزت بجائزة اتحاد النقاد الفنيين في هوليوود عن دورك في فيلم «لورانس العرب» هل بدأت تحلم بجائزة «الأوسكار»!
أجاب:
- بل شعرت بأنها أصبحت مقربة مني، بعد أن وضع اسمي ضمن الأسماء المرشحة لها.. ثم حرمت منها فيما بعد.. ولم يزعجني ذلك كثيراً، لأنني كنت قد تحولت إلى نجم عالمي فعلاً، وبدأت أمثل مع صوفيا لورين في «سقوط الإمبراطورية الرومانية» ومع أنطوني كوين في «رجل لكل العصور» ثم بلغت سعادتي القمة عندما التقيت مع انغريد برغمان في فيلم «الرولز رويس الصفراء».. إنني يومها شعرت أمام الممثلة العظيمة بنفس الأحاسيس التي شعرت بها عندما وقفت لأول مرة أمام فاتن حمامة في مصر لأمثل في فيلم «صراع في الوادي»..
• ولكن.. لماذا؟ وكنت قبلها قد مثلت مع صوفيا لورين، وهي نجمة عالمية كبيرة أيضاً..
فأجاب:
- لست أدري.. ربما كان السبب في هذا الشعور، هو أنني كنت قبل سنوات من لقائي بها أتابع أفلامها، وأنظر إليها كقمة من قمم التمثيل الجيد الرائع... وأحسست أمامها بأنني قد أكون عاجزاً عن أن أمثّل بإجادة، أو أجاريها في قوة التعبير. ولكن أنغريد كانت معي لطيفة، بسيطة ومتواضعة، إلى الدرجة التي أزالت عني رهبة الموقف، وملأت نفسي بالثقة.. ولم تمض أيام قليلة على بدء العمل في الفيلم، حتى كان بيني وبينها صداقة عميقة..
وهنا أتوقف قليلاً، لأستوضح عمر الشريف:
• هل بقيت مصري الجنسية حتى ذلك الوقع.. ألم يخطر لك أن تحصل على أية جنسية أوروبية أو أميركية؟
وبجد بالغ أجاب:
- أبداً.. إنني أحافظ على جنسيتي المصرية، وما زلت محافظاً عليها حتى الآن، وأرفض استبدالها بجنسية أخرى.. هذا بالرغم من إشاعات كثيرة كانت تقول مرة أنني حصلت على الجنسية الأميركية، ومرة على الجنسية الفرنسية.. وفي إحدى المرات اضطررت أن أوضح هذه الحقيقة بتسجيل صوتي، حمله إلى مصر الصديق المرحوم المطرب عبد الحليم حافظ، الذي ألحّ عليّ بأن أسجل له بصوتي بضع كلمات حتى يردّ بها على بعض الذين حملوا عليّ واتهموني بالتنكر لمصريتي، واستندوا في ذلك إلى سبب و هو قبولي التمثيل مع بربارة سترايسند في فيلم «فتاة مرحة».. وهي ممثلة يهودية فعلاً ولكنها أميركية الجنسية، وليست صهيونية ومن إسرائيل حتى يكون محتماً عليّ أن أقاطعها..
• في أي بلد تحب أن يتركز نشاطك السينمائي؟
ويرد:
- بصراحة.. أنا لا أحب إلا باريس من بين كل العواصم الأوروبية والأميركية.. إنني أستمتع فيها، وأشعر بالراحة في منزلي الذي أملكه في «غابة بولونيا» وعندي في باريس الكثير من الأصدقاء «الأنتيم» الذين أحب أن أسهر معهم، وأمضي أوقاتاً طويلة وإياهم على موائد «البريدج».. ثم أن نظام العمل في الاستديوهات الفرنسية مريح جداً.. فإن التصوير يبدأ يومياً في الساعة الثانية عشرة ظهراً وينتهي في الساعة السابعة مساءً، وهكذا يكون عندي فترة الصباح للكسل، والرياضة، وإنهاء حاجاتي الخاصة، و في الليل لا أُحرم من السهر لأنني أقبل عليه بلذة بعد أن آخذ لنفسي راحة لمدة ساعتين..
• ولكن.. أليس الأمر كذلك في هوليوود؟
ويأخذ نفساً عميقاً من سيجارته ويقول:
- لا.. في هوليوود الأمر يختلف، إنني هناك أكون أسير العمل طوال الشهور التي يستغرقها التصوير، ولا أستطيع أن أمارس أي نوع من أنواع التسلية.. صحيح أن الاستديوهات في هوليوود على قدر كبير من الفخامة والضخامة، وأنها ترضي طموح أي ممثل وتوفّر له كل الراحة أثناء العمل، ولكن.. لا أدري لماذا أشعر فيها بأنني أشبه بالآلة ولست بإنسان، وإن كنت أعترف بأن إجادتي للتمثيل تكون أفضل في هوليوود لأنني لا أخرج لحظة واحدة من جو العمل..
• هل لأنك تحب باريس، سجلت بصوتك النشيد الوطني الفرنسي «المارسيياز»؟
ويجيب:
- فعلاً.. لقد زرت مدناً كثيرة منها: هوليوود، روما، جنيف ولندن.. ولكني لم أحب سوى باريس، خصوصاً ضواحيها الساحرة، مثل غابة «بولونيا».. ولذا أردت أن أقول إنني أحب فرنسا، من خلال غنائي لـ «المارسيياز».. كانت لفتة جميلة من المسيو شيراك رئيس وزراء فرنسا الأسبق، قدم هو بنفسه النشيد الذي سجلته أنا، ضمن برنامج تلفزيوني، لو أنني حظيت بلفتة مثل هذه من الرئيس فاليري جيسكار ديستان والمهم أنني نجحت في أن أعبر بالنشيد الذي سجلته، عن إحساسي تجاه البلد الغربي الجميل الذي عشت فيه سنوات عمري..
• هل خطر لك أن تتحول إلى ممثل تلفزيوني؟
- بل في حسابي أن أتحوّل إلى التلفزيون في يوم من الأيام.. وقد قلت مرة وأكثر رأيي في هذا الموضوع وهو أن الممثل السينمائي عندما تنضب شهرته فلابد من أن يتحول إلى ممثل تلفزيوني، هذا إذا كان يحب التمثيل.. وأنا ما زلت أحب التمثيل بنفس الحرارة التي أحببته بها عندما كنت في سن الطفولة، ولهذا لن أستسلم إذا ما انحسر عني بريق الشهرة وأعتزل الأضواء والتمثيل، وإنما سوف ابحث فوراً عن مكان لي على الشاشة الصغيرة.. أما الآن فإنني أتصوّر أنه ما زال لي رصيد جيد كممثل سينمائي..