Series / ذكريات ونجوم / أطول حديث مع عمر خورشيد (الحلقة الثانية)
فنانون: عمر خورشيد
عمر خورشيد وبوسي من فيلم «العاشقة»

ذكريات ونجوم / أطول حديث مع عمر خورشيد (الحلقة الثانية)

* شكلي الوسيم لم يكن وحده سبب شهرتي
* أم كلثوم أنقذتني من محاولة تقليد النسناس
* فشلت في أن أكون مصوّراً سينمائياً.. كوالدي
* لغيتار.. كان في الأصل آلة موسيقية فرعونية
 
في الحديث الذي أجرته «الموعد» عام 1977 مع عازف الغيتار الراحل عمر خورشيد روى الكثير عن حياته، وفي هذا الجزء يروي ذكرياته مع كوكب الشرق أم كلثوم وكيف عرف نجاحه الجماهيري من بيروت.
 
■   ■   ■
وأسأل عمر خورشيد:
• هل ترى أن وسامتك الشخصية هي التي زادت من شهرتك؟
تأمل نفسه قليلاً وأجاب:
- ربما كان لهذه الوسامة التي تتحدثين عنها بعض الأثر في تكوين شهرتي، ولكن وبالتأكيد، فإن الأساس في هذه الشهرة هو إعجاب الناس بما أعزفه على الغيتار، ولهذا فأنا عندما أكون على المسرح لا أهتم إلا بالعزف الجيد، أحياناً أبتسم للجمهور الذي يسمعني، ولكن لا أفعل أكثر من هذا. لا أقوم بأية حركة، لا أتشنّج، لا أهرّج، لا أفتعل ما يثير المستمع. وأنا أعتقد أن العازف الجيد على أية آلة موسيقية يجب أن يقبله الجمهور أولاً عن طريق الإذاعة، لكي لا يكون لمظهره أو شكله أي تأثير في الرأي الذي يكوّنه الجمهور عنه..
وأقاطعه:
• وهل أعجب بك الناس من خلال عزفك في الإذاعة وقبل رؤيتك؟
وبتواضع شديد أجاب:
- حصل. وقد تكوّنت شهرتي كعازف أولاً من خلال العزف المنفرد الذي كنت أقدّمه أحياناً في حفلات أم كلثوم. وأذكر أنني تلقيت مرة رسالة من شاب يطلب مني أن أعتبره كوالده وأساعده على تعلّم العزف على الغيتار. وطبعاً كان هذا الشاب يظنني أنني كبير في السن، ولست فتى. لم أكن يومها قد بلغت أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، وكان السبب في تصوره هذا هو إعجابه بما سمعه مني من عزف على الغيتار..
أقول لعازف الغيتار الوسيم:
• فكّرتني.. لقد عرفت أنك كنت موضع رعاية أم كلثوم.. فما هو السرّ في هذه الرعاية؟
قال:
- إنها كانت صديقة حميمة لوالدتي، وفي  كثير من المرات كانت والدتي تسافر الى خارج مصر، فتتركني أنا وأختي جيهان في رعاية أم كلثوم، ومرة، وكان عمري ثماني سنوات،  بقيت ستة أشهر متواصلة في بيت أم كلثوم، وكنت أجلس الى جانبها ظهر كل يوم عندما كانت تحتضن العود وتحفظ ألحانها الجديدة، حتى أنني سمعت منها أغنية «يا ظالمني» بكاملها عندما كانت تحفظها. ومرّت الأيام، وكبرت أنا، وبدأ الغيتار يأخذ طريقه الى فرقة أم كلثوم وأغانيها، وكانت المرة الأولى في أغنية «انت عمري» والذي كان يعزف فيها على الغيتار يومها هو الزميل عبد الفتاح خيري، وكان هو في الأصل عازف على الكمان. ثم عندما ظهرت أنا كعازف غيتار، ولحّن الموسيقار محمد عبد الوهاب لأم كلثوم أغنية «ودارت الأيام» وكان فيها جملة من العزف المنفرد على الغيتار تسبق مقطع «وصفولي الصبر». ويومها طلب عبد الوهاب أن يعزف هذه الجملة عازف على الغيتار، وتذكرتني أم كلثوم، وجاءت بي الى فرقتها..
وأحب أن أسمع المزيد عن أم كلثوم، وأقول له:
• في ذاكرتك الكثير عن أم كلثوم؟
أجاب بسعادة:
- طبعاً. كانت دائماً تحنو عليّ، وترعاني، وتهتم بي. ومرة، وكنت معها في «أبو ظبي» أخبرتها بأنني سوف أتزوج، ففرحت جداً، وصارت هي التي تختار لي ما أشتريه لبيت الزوجية. وأنا أعتز بما كانت تقوله أم كلثوم عني كفنان، ومما قالته مرة: إن عمر خورشيد يفهم متى يجب أن يغني المطرب، ومتى على الفرقة أن تعزف، ويفهم أيضاً كيف يضبط أوتار غيتاره على درجة الصوت..
وباستغراب أسأله:
• ما معنى ضبط الأوتار على درجة الصوت..
ويشرح لي الأمر:
- عندي جهاز يضبط علو الصوت وانخفاضه، كنت أستعين به لضبط الصوت. فمثلاً عندما كنت أعزف مع عبد الحليم حافظ فإنني أرفع الصوت الى الدرجة السادسة، لأن جمهور حفلات عبد الحليم هو جمهور صاخب يصفّر، ويرقص، ويتكلم أثناء الغناء، أما في حفلات أم كلثوم فكنت أخفض الصوت الى الدرجة الرابعة، لأن الجو في حفلاتها يكون هادئاً وساكناً، وكله من المستمعين الذين يتلذّذون بالطرب ولا يملأون جو الحفلة بالضجيج..
واكتفيت بهذا التفسير وعدت أسأله:
• وأية ذكريات شخصية لك عن أم كلثوم؟
وضحك:
- أطرف ما أذكره أنه كان في بيتها «نسناسة» تسميها «أنيسة»، وكان من عادة «النسناسة» أن تقفز دائماً من سور الحديقة الى الشجرة وبالعكس، ومرة، وأنا طفل، كانت أم كلثوم تراقبني، فوجدتني أهمّ بتقليد «النسناسة» والقفز مثلها الى السور ثم الى الشجرة، فأمسكت بي وسجنت النسناسة في القفص. رحمها الله. كانت إنسانة طيبة وعظيمة في نفس الوقت، ولست أنسى أبداً كيف أنها كانت تصنع القهوة بيدها، وكيف كانت تكره البهرجة والمظاهر وتعيش كسيدة بيت بكل معنى الكلمة..
وأسأل عمر خورشيد:
• بماذا كانت تمتاز أم كلثوم عن غيرها من المطربات بالنسبة لعلاقتها بفرقتها الموسيقية التي تعزف معها وهي تغني..
فيجيب:
- كانت شخصية أم كلثوم على المسرح جذابة وقوية في نفس الوقت. وبعيداً عن المسرح، وقبل أن يرتفع الستار، كانت لا تكف عن المزاح مع الموسيقيين.. وكنت ألاحظ دائماً عليها اضطرابها وقلقها قبل ظهورها على المسرح، وكأنها تغني لأول مرة.. لأنها تشعر بأن ملايين الأسماع تنتظرها، ولكن، وبالرغم من ذلك فقد كانت أكثر مطربة تُشعِرالموسيقيّ بالمتعة وهو يعزف معها.. وأذكر أن أم كلثوم كانت تفرض على الفرقة الموسيقية أن تُجري البروفات معها بدون أن يضع العازفون أمامهم نوتة موسيقية يقرأون منها، لأنها كانت تريد أن يكون الموسيقيّ معها بكل إحساسه، ومن غير أن تشغله فقط العلامات التي يراها أمامه على صفحة النوتة..
وأقول له:
• وكانت أم كلثوم تفرض هيبتها على الجمهور الذي يستمع اليها؟
- كانت شخصيتها تبعث على الاحترام، ولكنها كانت أيضاً تحرص على أن يستمتع الجمهور بغنائها. ومن هنا فقد كانت تعيد المقاطع عندما يعلو التصفيق، وأحياناً عندما تريد أن تفلت من الإعادة فإنها كانت تفعل ذلك بخفة دم متناهية.. وقد حدث مرة أن وصلت في إحدى أغانيها الى مقطع تقول فيه «ما تعذبناش..» وقد أعادته مرتين، وارتفع صوت أحد المستمعين بقوة يطالبها بالإعادة مرة ثالثة، فالتفتت اليه وقالت بكل خفة دم: ما تعذبناش!
وأعود به مرة ثانية الى البداية وأسأله:
• أنت نشأت في بيت فني، وكان والدك مصوراً سينمائياً، فلماذا استهوتك الموسيقى ولم يستهوك التصوير؟
-  وأجاب:
- منذ طفولتي أحببت الموسيقى.. ألعابي كلها كانت آلات موسيقية، وعندما كنت أمشي في الشارع فإنني لم أكن أتوقف إلا أمام الفترينات التي تعرض آلات موسيقية.. ولقد أرادني والدي المرحوم أحمد خورشيد أن أكون مثله مصوراً سينمائياً، وكنت مساعداً له طوال سبع سنوات، ولكنه كان قاسياً معي ويعاملني بعصبية، ويحاسبني بشدة إذا أخطأت مع أنني كنت ما زلت طفلاً. ومن هنا كرهت مهنة التصوير السينمائي، وازددت تعلقاً بالموسيقى، وراح والدي بعدئذٍ يوجّهني نحو تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام، ويومها لم يكن أحد يؤلف هذه الموسيقى، بل كان كل مخرج يستعين بأسطوانات متداولة ويجعل منها موسيقى الفيلم التصويرية.. وقد أراد والدي أن يجعلني مؤلفاً لهذا النوع المفقود من الموسيقى، فجاء لي بكتاب عن الموسيقى التصويرية فكان يطالعه بالانكليزية ويترجمه لي، لأن ثقافتي كانت فرنسية كطالب في مدرسة «الليسيه». ولعل من حسن حظي أن أول موسيقى تصويرية وضعتها كانت لفيلم «ابنتي العزيزة» ونالت الجائزة الأولى في مهرجان «طشقند» العالمي مما شجّعني على المضي في هذا الطريق حتى بلغ عدد الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية التي وضعت موسيقى تصويرية لها أكثر من مائة..
 

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)